وحكم وأفتى من حيث أمر، فكان النص مؤدياً ما أمر به نصاً، وفي القياس
مؤدياً ما أمر اجتهاداً، وكان مطيعاً لله في الأمرين، ثم لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بطاعة اللَّه، ثم رسوله، ثم الاجتهاد، فيروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ - رضي الله عنه -: بم تقضي؟ "، قال: بكتاب اللَّه.
قال: "فإن لم يكن في كتاب الله؟ ".
قال: بسنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.
قال: "فإن لم يكن؟ ".
قال: أجتهد.
قال: "الحمد لله الدي وفق رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الحديث.
وقال: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران.
وإن أخطا فله أجر" الحديث.
فأعلم أن للحاكم الاجتهاد والمقيس في موضع الحكم.
قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن استجاز أن يحكم أو يفتي بلا خبر لازم، ولا
قياس عليه، كان محجوجاً بأن معنى قوله: أفعل ما هويت، وإن لم أومر به، خالف معنى الكتاب والسنة، فكان محجوجاً على لسانه، ومعنى ما لم أعلم فيه مخالفاً.
الرسالة: باب (كيف البيان؟) :
قال الشَّافِعِي رحمه الله: وكذلك أخبرهم عن قضائه فقال:
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) الآية.
والسُّدى: الذي لا يؤمر ولا ينهى.
وهذا يدل على أنه ليس لأحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول إلا بالاستدلال بما وصفتُ في هذا، وفي العدل وفي جزاء الصيد، ولا يقول بما استحسن، فإن القول بما استحسن شيء يحدثه لا على مثال سبق.