قلت: لما قال اللَّه - عز وجل:(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) الآية، كان ظاهر الآية أن من أَنظَرَهُ اللَّه أربعة
أشهر في شيء، لم يكن عليه سبيل حتى تمضي أربعة أشهر.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: وليس في الفيئة دلالة على ألَّا يفيء
الأربعة إلا مضيُّها، لأن الجماع يكون في طرفة عين، فلو كانت على ما وصفتَ تزَايَلَ حاله حتى تمضي أربعة أشهر، ثم تزايل حالُه الأولى، فإذا زايلها صار إلى أنُّ لله عليه حقاً، فإمَّا أن يفيء، وإمَّا أن يطلق.
فلو لم يكن في آخر الآية ما يدل على أن معناها غير ما ذهبتَ إليه، كان
قوله أَوْلاَهُما بها، لما وصفنا، لأنه ظاهرها.
والقرآن على ظاهره، حتى تأتي دلالة منه، أو سنة، أو إجماع، بأنَّه على
باطن وظاهر.
قال: فما في سياق الآية ما يدلُّ على ما وصفت؟.
قلت: لما ذكر اللَّه - عز وجل -: أنُّ للمولي أربعة أشهر ثم قال:
فذكر الحكمين معاً بلا فصل بينهما: أنهما إنما يقعان بعد الأربعة أشهر، لأنَّه
إنما جعل عليه الفيئة أو الطلاق، وجعل له الخيار فيهما في وقت واحد، فلا يتقدم واحد منهما صاحبه، وقد ذكِرا في وقت واحد، كما يقال له في الرهن أَفْدِه أو نبيعه عليك، بلا فصل، وفي كل ما خُيِّر فيه افعل كذا أوكذا بلا فصل.