ولا يعدو - واللَّه تعالى أعلم - المقترعون على مريم أن يكونوا: كانوا
سواء في كفالتها فتنافسوها، فلما كان أن تكون عند واحد منهم أرفق بها؛ لأنها لو صُيِّرت عند كل واحد منهم يوماً أو أكثر، وعند غيره مثل ذلك، كان أشبه أن يكون أضَر بها من قِبَل أن الكافل إذا كان واحداً كان أعطف له عليها، وأعلم بما فيه مصلحتها، للعلم بأخلاقها، وما تقبل، وما ترد، وما يحسن به اغتذاؤها، فكل من اعتنف كفالتها، كفلها غير خابر بما يصلحها، ولعله لا يقع على صلاحها حتى تصير إلى غيره، فيعتنف من كفالتها ما اعتنف غيره.
وله وجه آخر يصح، وذلك أن ولاية واحد إذا كانت صبية، غير ممتنعة مما
يمتنع منه من عَقَل، يستر ما ينبغي ستره، كان أكرم لها، وأستر عليها، أن يكفلها واحد دون جماعة.
وقال: يجوز أن تكون عند كافل، ويغرم من بقي مؤنتها بالحصص، كما
تكون الصبية عند خالتها وعند أمها، ومؤنتها على من عليه مؤنتها.
ولا يعدو الذين اقترعوا على كفالة مريم، أن يكونوا تشاحوا على كفالتها.
وهو أشبه - واللَّه تعالى أعلم - أو يكونوا تدافعوا كفالتها، فاقترعوا أيهم تلزمه، فإذا رضي من شح على كفالتها أن يموِّنها، لم يكلف غيره أن يعطيه من مؤنتها شيئاً، برضاه بالتطوع بإخراج ذلك من ماله.
وأي المعنيين كان، فالقرعة تلزم أحدهم ما يدفع عن نفسه، وتخلص له ما
يرغب فيه لنفسه، وتقطع ذلك عن غيره، ممن هو في مثل حاله.