الإنسانية، والعواطف البشرية، لم تمت في تلك النفوس، ولكنها ارتفعت وصفت من الأوشاب, ثم بقيت لها طبيعتها البشرية الحلوة، ولم تعوق هذه النفوس عن الارتفاع إلى أقصى درجات الكمال المقدر للإنسان.
وكثيرًا ما نخطئ نحن حين نتصور للنبي صلى الله عليه وسلم، ولصحابته رضوان الله عليهم صورة نجردهم فيها من كل المشاعر، والعواطف البشرية حاسبين أننا نرفعهم بهذا، وننزههم عما نعده نحن نقصًا وضعفًا.
وهذا الخطأ يقطع الصلة البشرية بيننا وبينهم، وتبقى شخوصهم في حسنا في رقي عال بين تلك الهالات، أقرب إلى الأطياف التي لا تلمس، ولا تتماسك في الأيدي! ونشعر بهم كما لو كانوا خلقًا آخر غيرنا ملائكة، أو خلقًا مثلهم، مجردين من مشاعر البشر، وعواطفهم على كل حال.
ومع شفافية هذه الصورة الخيالية فإنها تبعدهم عن محيطنا، فلا نعود نتأسى بهم أو نتأثر, يأسًا من إمكان التشبه بهم، أو الاقتداء العلمي بهم في الحياة؛ لأن صورتهم تختلف في أذهاننا عن الواقع الموجود.
ونفقد بذلك التجاوب الحي بيننا وبين هذه الشخصيات العظيمة لأن التجاوب إنما يقع نتيجة لشعورنا بأنهم بشر حقيقيون عاشوا بعواطف ومشاعر وانفعالات حقيقية من نوع المشاعر والعواطف والانفعالات التي نعانيها نحن، ولكنهم ارتقوا بها، وطهروها من الشوائب التي تخالج مشاعرنا.
٣- اختار الله تعالى رسله من البشر لا من الملائكة، ولا من أي خلق آخر غير البشر، كي تبقى الصلة الحقيقية بين حياة الرسل وحياة أتباعهم قائمة، وكي يحس أتباعهم أن قلوبهم كانت تعمرها عواطف ومشاعر من جنس مشاعر البشر وعواطفهم وإن صفت، ورقت، وارتفعت، يحبونهم حب الإنسان للإنسان، ويطمعون في تقليدهم تقليد الإنسان الصغير للإنسان الكبير، ويتعلمون منهم تعلم التلميذ من أستاذه، وبذلك يكونون أتباعًا مخلصين.
٤- وفي هذه الحادثة نقف أمام الرغبة الطبيعية في نفوس نساء النبي صلى الله عليه وسلم في