للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} ١.

ولم ينته بنو قينقاع بعد هذا اللقاء، فأخذوا يتحرشون بالمسلمين في جرأة، واستهتار، حتى أنهم أخذوا في التعدي على نساء المسلمين.

يروي ابن هشام أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها -وهي غافلة- فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله -وكان يهوديًا- فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.

وأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} ٢.

فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما أخاف من بني قينقاع"، فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الآية، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، وكان اللواء أبيض اللون.

قال ابن سعد: ولم تكن الرايات يومئذ قد حدثت، ولذلك لم تكن هناك راية للمسلمين، واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر فتحصنوا في حصنهم فحاصرهم أشد الحصار، فأقاموا على ذلك خمس عشرة ليلة، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أموالهم، وأن لهم النساء والذرية، فأمر بهم فكتفوا، واستعمل على كتافهم المنذر بن قدامة السلمي، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي بن سلول، فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله تعالى ورسوله من حلفهم، وقال: يا رسول الله


١ سورة آل عمران: ١٢-١٣.
٢ سورة الأنفال: ٥٨.

<<  <   >  >>