للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدث الله إليك فامض له، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعاد من شئت، وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت١.

ومن المعلوم أن القتال يوم بدر كان قاسيًا على المسلمين، وكان شديدًا وهذا يجعل لمقالة المقداد قوة في دلالتها على شجاعة أهل المدينة، وقوة بأسهم، يقول الله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ، يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} ٢.

والآيات تصوير صريح لما كان يتمناه المسلمون، فهم يكرهون القتال ويتصورونه سعيًا إلى الموت، ومسارًا إليه.

كانوا يتمنون الغنيمة بلا قتال, وشاء الله غير ذلك ليقطع دابر الكافرين، ويعلي شأن الإسلام في الجزيرة العربية كلها، وليحقق بالمسلمين انتصارًا لدين الله تعالى يقول الحافظ في الفتح: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غنيمة مع أبي سفيان، فأحدث الله إليه القتال.

إذا علم هذا الحال فإن موقف الأنصار من القتال دليل واضح على شجاعتهم لأنهم وجدوا أنفسهم أمام مسئولية القتال بلا استعداد مسبق فلم يترددوا أو يخافوا.

وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر استشار المسلمين فأشار عليه أبو بكر وعمر، ثم قال عمر: يا معشر الأنصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالوا: لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها إلى برك الغماد لاتبعناك٣.


١ أخرجه من أبي شيبة مرسلا. ذكره في الدرر ٣/ ١٦٣ وعزاه له, وذكره في الفتح ٧/ ٢٨٧ مختصرًا وحكم بإرساله.
٢ سورة الأنفال: ٥-٧.
٣ أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان. كذا في الدرر ٢/ ٢٧١.

<<  <   >  >>