وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وجعل على إحدى المجنبتين الزبير بن العوام، وعلى الأخرى المنذر بن عمرو الغنوي.
ثم قام صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال:"يا أيها الناس أوصيكم بما أوصاني به الله في كتابه من العمل بطاعته، والتناهي عن محارمه، ثم إنكم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ثم وطن نفسه له على الصبر واليقين، والجد، والنشاط، فإن جهاد العدو شديد كريه قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله له رشده، فإن الله مع من أطاعه، وإن الشيطان مع من عصاه، فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله، وعليكم بالذي أمركم به فإني حريص على رشدكم، وإن الاختلاف، والتنازع، والتثبيط، من أمر العجز، والضعف، وهو مما لا يحب الله، ولا يعطي عليه النصر، ولا الظفر.
يا أيها الناس حدد -تأكد- في صدري أن من كان على حرام فرق الله بينه وبينه ورغب له عنه غفر الله له ذنبه، ومن صلى عليّ صلاة صلى الله عليه وملائكته عشرًا، ومن أحسن من مسلم أو كافر وقع أجره على الله في عاجل دنياه أو آجل آخرته، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا صبيًا، أو امرأة، أو مريضًا أو عبدًا مملوكًا، ومن استغنى عنها استغنى الله عنه، والله غني حميد.
ما أعلم من عمل يقربكم إلى الله إلا وقد أمرتكم به، ولا أعلم من عمل يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه.
وإنه نفث في روعي الروح الأمين أنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها، لا ينقص منه شيء وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله ربكم، وأجملوا في طلب الرزق، ولا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية ربكم، فإنه لا يقدر على ما عنده إلا بطاعته.
إن الله تعالى قد بين لكم الحلال والحرام، غير أن بينهما شبهًا من الأمر لم يعلمها كثير من الناس إلا من عصم الله، فمن تركها حفظ عرضه ودينه ومن وقع فيها كان كالراعي إلى جنب الحمى أوشك أن يقع فيها، وليس ملك إلا وله حمى ألا وإن حمى الله محارمه، والمؤمن من المؤمنين كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه سائر جسده،
والسلام عليكم"١.
وهكذا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى عوامل النصر، والغلبة، وأساسها إعداد العدة، والصبر، واللجوء إلى الله وحسن الطاعة والانقياد، وأداء الواجبات، وصدق التوكل، وإخلاص التقوى، وتقدير محارم الله تعالى، والإيمان التام بقدره سبحانه وتعالى.