للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المشركين لتحتنا١.

ويقول أبو طلحة: ألقي علينا النعاس، فكنت أنعس حتى سقط سيفي من يدي، وكان النعاس لم يصب أهل النفاق والشك يومئذ، فكل منافق يتكلم بما في نفسه، وإنما أصاب النعاس أهل اليقين والإيمان٢.

وقعت هذه الأحداث كلها بسرعة هائلة، في لحظات خاطفة، وأدرك المصطفون الأخيار من صحابته صلى الله عليه وسلم الذين كانوا في مقدمة المسلمين عند بدء القتال خطورة الموقف، وضرورة الصمود، والتصدي لأعداء الله، وأعداء رسوله، وزاد حماسهم لما سمعوا صوته صلى الله عليه وسلم فأسرعوا إليه، لئلا يصل إليه شيء يكرهونه، إلا أنهم وصلوا وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقي من الجراحات، وسعد وطلحة يكافحان أشد الكفاح، فلما وصلوا أقاموا حوله سياجًا من أجسادهم وسلاحهم، وبالغوا في وقايته من ضربات العدو ورد هجماتهم.

وانتهت الجولة الثالثة بتكافؤ الفريقين، بعدما أصابهما التعب والإرهاق، فلقد عاشوا اليوم كله بين الكر والفر، وكثرت الجراحات، وتكسرت الرماح وقل النبل، وعقرت الخيل، ورأت قريش ضرورة الانسحاب والرجوع إلى مكة قبل أن يتغير الأمر.

سئل عمرو بن العاص عن كيفية افتراق المشركين والمسلمين يوم أحد وكان وقتها في معسكر المشركين, فقال: لما كررنا عليهم أصبنا من أصبنا منهم، وتفرقوا في كل وجه وفاءت لهم فئة بعد، فتشاورت قريش فقالوا: لنا الغلبة، فلو انصرفنا فإنه بلغنا أن ابن أبي انصرف بثلث الناس وقد تخلف ناس من الأوس والخزرج، ولا نأمن أن يكروا علينا، وفينا جراح، وخلينا عامتها قد عقرت منه النبل فمضوا٣.

وبدأ القرشيون في الانسحاب، والرجوع إلى مكة، وأقبل أبو سفيان يفاخر بانتصار المشركين، وسار حتى أشرف على المسلمين، وهم في عرض الجبل، فأخذ يصيح بأعلى صوته: اعل هبل, أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ يوم بيوم ببدر، ألا إن الأيام دول، وإن الحرب سجال


١ إمتاع الأسماع ج١ ص١٥٩.
٢ المغازي ج١ ص٢٩٦.
٣ المغازي ج١ ص٢٩٩.

<<  <   >  >>