للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذه الآيات توضيح لمعالم طريق الدعوة، فطريق الدعوة مليء بالأشواك والصعاب، والأعداء متربصون، والأيام دول، والجنة مهرها غال ثمين، وأولو الألباب يستحيون أن يطلبوا السلعة الغالية بالثمن التافه أو يتصورون تحقق الأمل بلا عمل، أو يحلمون بالنتيجة بلا سبق مقدماتها وهم لذلك يضحون بأنفسهم لقاء ما ينشدون ويبذلون أقصى ما يمكنهم لتحقيق المراد المنشود.

إن الاستعداد أيام الأمن يجب أن يستمر أيام الروع، بل هو في أيام الفزع أشد، وعلى المسلم أن يداوم على مجاهدة نفسه، والالتزام المستمر بما وجب عليه.

إن الإنسان -في عافيته- قد يتصور الأمور سهلة مبسطة، وقد يؤدي به ذلك إلى المجازفة، والخداع، وعدم تقدير الأمور على وجهها الصحيح، وليس كذلك المسلم.

فليحذر المؤمن هذا الموقف، وليستمع إلى تأنيب الله لمن تمنوا الموت قبل "أحد" ثم حادوا عنه لما جاءهم؛ لأن ذلك ضعف في الوعد، وخذلان في الإقدام.

يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} ١.

ثم عاتب الله عز وجل من سقط في أيديهم، وانكسرت همتهم، حينما أشيع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات؛ لأن العقائد اتباع مبادئ لا اتباع أشخاص، والمسلم عند الله خاضع له وحده.

ولو افترض أن الرسول صلى الله عليه وسلم قتل وهو ينافح عن دين الله، فحق على أصحابه أن يثبتوا في مستنقع الموت، وأن يردوا المصير نفسه، الذي ورده قائدهم، لا أن ينهاروا ويتخاذلوا ويضيعوا ما بايعوا الله عليه، وهم يعلمون أن الموت حق على الجميع.

إن عمل محمد صلى الله عليه وسلم في أصحابه ينحصر في إضاءة الجوانب المعتمة من فكر الإنسان وضميره، وينيرها بنور الله تعالى، فإذا أدى رسالته ومضى، فهل يسوغ للمستنير أن يعود إلى ظلماته التي خرج منها.

لقد جمع محمد صلى الله عليه وسلم الناس حوله على أنه عبد الله ورسوله، والذين ارتبطوا به،


١ سورة آل عمران: ١٤٣.

<<  <   >  >>