للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك كانت هزيمة "أحد" بعد انتصار "بدر"، وكانت "أحد" سببًا في إقبال المسلمين بعد ذلك، والتزامهم بطاعة الله ورسوله حتى نصرهم الله تعالى.

إن الابتلاء بصورة عامة يمحص الجبهة الإسلامية من عدة نواح.

فهو يطهر القلوب، ويخلصها من شوائب المادة، وثقل الغرائز، لأن القلوب تخالطها الشهوات، وتؤذيها الخواطر النفسية، وتحكمها العادات، وتستولي عليها الغفلة، ويلعب بها الشيطان، وهي في حاجة مستمرة للمجاهدة والتوجيه والإنذار، ولذلك اقتضت حكمة العزيز الرحيم أن يقيض لها من المحن والبلاء ما يكون كالدواء الكريه مذاقه وفيه الشفاء، فكانت نعمته سبحانه وتعالى عليهم بهذه الكسرة والهزيمة، وقتل من قتل منهم تعادل نعمته عليهم بنصرهم وتأييدهم، وظفرهم بعدوهم، فله عليهم النعمة التامة في هذا وذاك.

كما أنه سبحانه لو نصرهم دائمًا لطغت نفوسهم، شأن طغيانها لو بسط لهم الرزق قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} ١ فدارت حياة المؤمنين بين السراء والضراء، والشدة والرخاء، والقبض والبسط، فإن النفوس تكسب من العافية الدائمة والنصر والغناء طغيانًا وركونًا إلى العجلة، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة، فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته قيض لها من الابتلاء والامتحان ما يكون دواء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه، فيكون ذلك البلاء وتلك المحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه، ويقطع العروق المؤلمة، لاستخراج الأدواء منه، ولو تركه لغلبته الأدواء حتى يكون فيها هلاكه.

كما أنه سبحانه قد هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لم تبلغها أعمالهم، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلاءه وامتحانه قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} ٢.


١ سورة الشورى: ٢٧.
٢ سورة آل عمران: ١٤٢.

<<  <   >  >>