للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أن هذه المحن استخراج عبودية أوليائه، وبروز معدن حزبه في أحوال يظهر فيها الإنسان على حقيقته في السراء والضراء، وفيما يحبون ويكرهون، وفيحال ظفرهم، وظفر عدوهم بهم، فإذا ثبتوا على العبودية فيما يحبون ويكرهون فهم عبيده حقًا، وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء، والنعمة، والعافية.

وهناك تمحيص خارجي للمؤمنين، لتمحيص صفوفهم ممن كان يظن أنه منهم وهو عدو لهم، وقد أشار إليه الله تعالى بقوله: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} وذلك حتى يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} فإن المسلمين لما أظهرهم الله تعالى "ببدر"، دخل معهم جمهور كبير ممن لم يدخل الإيمان في قلوبهم من المنافقين، فاقتضت حكمته تعالى أن يسبب لهم محنة "أحد" حتى يميز الخبيث من الطيب بتمييز المنافق من المؤمن، قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} ١.

إن من أخطر الأمور على بنيان أمة الإسلام أن يعيش بين صفوفها من لا يؤمن بمبادئها وأهدافها، ومن يمالئ العدو ساعة الشدة عليها، يعيش بينهم مجهولا منهم فلا يأخذون حذرهم منه، يظنونه معهم وهم عليهم {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} ٢.

إن المنافقين جرثومة فساد في جسم الأمة، وبؤرة خبيثة في كيانها، يعيشون بين صفها الواهن، ويبلبلون الأفكار، ويشككون في المواقف، وهم فوق هذا وذاك طابور خامس للعدو الخارجي، من هذا كان عذابهم أشد قال الله تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} ٣.

وقد يتمنى البعض أن يطلع الله تعالى المؤمنين على غيبه حتى يعلموا هؤلاء المنافقين


١ سورة آل عمران: ١٧٩.
٢ سورة المنافقنون: ٤.
٣ سورة النساء: ١٤٥.

<<  <   >  >>