للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيتقوا شرورهم بلا محن وابتلاء؟ والله قادر على إظهار ما عليه المنافقون، وإزهاق ما يقومون به من أباطيل، لكن الحكمة الإلهية اقتضت غير ذلك.

إن هذه الأمنية لا تلتقي مع حكمة الله العليا، يقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} ١ ذلك أن المنافقين وإن كانوا متميزين في علمه وغيبه، لكن ذلك شيء وتميزيهم تميزًا مشهودًا مطلب آخر، فيه تكمن حكمة الله تعالى، حتى يقع غيبه شهادة، فيجازيهم على واقع مشهود، لا على غيب معلوم له تعالى وحده.

وقد قدر سبحانه وتعالى للمسلمين محنة يوم "أحد" ليتحول الغيب المجهول إلى واقع معلوم، وليعلم المسلمون درسًا في سياسة الحياة, وهي أن العدو يداجي خططه، ويخفيها ويلبسها بلباس غيرها، ليصل إلى ما يريد، وعليهم أن يحذروا، ويعملوا على تجنبه مهما تزين، وتزخرف.

وبذلك فقد حصل للمسلمين تمحيصان: تمحيص داخلي، وتمحيص خارجي، وفي كل خير جليل، ونفع للمسلمين عظيم، وبهذا كشف الله قناع الخير، وأسفر ليل المحنة عن نهار النعمة، وأشرقت النفوس بعد فيض الدروس، وتهللت الأرواح بعد زوال الأشباح، وخرجت نفوس المؤمنين من المحنة أنقى ما كانت، وأصفى وأرضى بقضاء الله وأغبط، بعد تجلية القرآن لما منحوه من خير عميم، خصوا به دون غيرهم من المنافقين الذين لا يحبهم الله، ولذا حال بينهم وبين ما ابتلى به المؤمنين، حتى لا يتخذ منهم شهداء مع عصاينهم كما اتخذ من أوليائه شهداء، يشير الله تعالى إلى إيثار المؤمنين بالشهادة دون المنافقين في قوله تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} ٢ وفي هذا دلالة صريحة على أن اتخاذ الشهداء نعمة يهبها الله لمن أحب من عباده المؤمنين.

٣- تلقى المسلمون درسا في ضرورة دقة الطاعة، وعدم الاجتهاد فيما فيه نص، فلقد أتى المسلمون من قبل الرماة الذين تركوا أماكنهم لجمع الغنائم، وعصوا بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريح بعدم ترك الجبل مهما كانت الظروف، وقد أفاد هذا الدرس


١ سورة آل عمران: ١٧٩.
٢ سورة آل عمران: ١٤٠.

<<  <   >  >>