فأخبره بخبر أبي سفيان، وما جعل له فأمر به فحبس عند أسيد بن حضير، ثم دعا به من الغد وقال له صلى الله عليه وسلم:"قد أمنتك فاذهب حيث شئت، أو خير لك من ذلك"؟.
قال: وما هو؟
فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.
فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، والله يا محمد ما كنت أفرق بين الرجال، فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت، ثم اطلعت على ما هممت به فما سبقت به الركبان، ولم يطلع عليه أحد، فعرفت أنك ممنوع، وأنك على حق، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم، وأقام الرجل أيامًا بالمدينة، ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فخرج من عنده، ولم يسمع له ذكر بعد ذلك١.
وقد أدى هذا التصرف العدواني من أبي سفيان أن أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري مع رجل من الأنصار إلى مكة لقتل أبي سفيان إن أصابا فيه غرة، فلما رأى أهل مكة ابن أمية عرفوه وأدركوا شرًا وراءه، وتجمعوا له فرجع مع صاحبه إلى المدينة، يقول عمرو بن أمية: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث معي جبار بن ضمر الأنصاري إلى أبي سفيان بن حرب وقال: "إن أصبتما فيه غرة فاقتلاه".
فخرجنا حتى قدمنا مكة وحبسنا جملينا بشعب من شعاب يأجج ثم دخلنا مكة ليلا فقال جبار لعمرو: لو أنا طفنا بالبيت وصلينا ركعتين.
فقال عمرو: إن القوم إذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم، وإنهم إن رأوني عرفوني فإني أعرف بمكة من الفرس الأبلق.
فقال جبار: كلا إن شاء الله فأبى أن يطيعني فطفنا بالبيت وصلينا ثم خرجنا نريد أبا سفيان، فوالله إنا لنمشي بمكة إذ نظر إليّ معاوية بن أبي سفيان فعرفني فقال معاوية: عمرو بن أمية فوالله ما قدمها إلا لشر، فأخبر قريشًا بمكاني فخافوني وطلبوني وقالوا: لم يأت عمرو بخير، فحشدوا وتجمعوا.