للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال عمرو: أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخبره الخبر.

فقال الأنصاري: لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو وما كنت لتخبرني عنه الرجال، ثم قاتل القوم حتى قتل، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرًا.

فلما أخبرهم أنه من مضر، أطلقه عمرو بن الطفيل، وجز ناصيته، وأعتقه عن رقبته زعم أنها كانت على أمه.

فخرج عمرو بن أمية، حتى إذا كان بـ"قرقرة الكدر" من صدر قناة أقبل رجلان من بني عامر١ حتى نزلا معه في ظل هو فيه.

وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار، لم يعلم به عمرو بن أمية، وقد سألهما حين نزلا: ممن أنتما؟

فقالا: من بني عامر، فأمهلهما، حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثأره من بني عامر، فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد قتلت قتيلين، لأدينهما" ٢.

وقد تألم النبي صلى الله عليه وسلم لأجل مأساة "بئر معونة" ولأجل مأساة "الرجيع" اللتين وقعتا خلال أيام معدودة تألمًا شديدًا، وتغلب عليه الحزن والقلق، حتى دعا على هؤلاء الأقوام والقبائل التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه، ففي البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحًا، يدعو في صلاة الفجر على رعل وذكوان ولحيان وعصية، ويقول: "عصية عصت الله ورسوله" ٣. فأنزل الله تعالى على نبيه قرآنًا قرأناه حتى نسخ بعد: "بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه", فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قنوته٤.


١ وقيل إنهما من بني كلب، والراجح ما ذكرته وقرقرة الكدر موضع قريب من المدينة.
٢ سيرة النبي لابن هشام ج٢ ص١٨٥، ١٨٦.
٣ صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ج٦ ص٣١٧.
٤ نفس المرجع السابق ج٦ ص٣١٨.

<<  <   >  >>