للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأورد البخاري في صحيحه رواية أخرى تحدد محل القنوت ضمن أعمال الصلاة حيث ذكر بسنده عن عاصم الأحول أنه قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن القنوت في الصلاة.

قال: نعم.

فقلت كان قبل الركوع أو بعده؟

قال: قبله.

قلت: فإن فلانًا أخبرني عنك، أنك قلت بعده.

قال: كذب، إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرًا، أنه كان بعث ناسًا يقال لهم القراء، وهم سبعون رجلا إلى ناس من المشركين، وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد قبلهم، فظهر هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرًا يدعو عليهم١.

وقد بين الحافظ ابن حجر في الفتح أن المراد بالقنوت الدعاء، وأورد حديث أئمة الحديث والفقه الذين بينوا أن القنوت يجوز في صلوات الليل والنهار، وأولاها صلاة المغرب دبر صلاة النهار، وصلاة الفجر دبر صلاة الليل.

وبينوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت قبل الركوع قليلا، وأكثر قنوته كان بعده، وذكروا أن قول أنس في الرواية "كذب" يعني أخطأ بلغة أهل الحجاز.

وقد أجمع الفقهاء والمحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في صلاة الصبح.

فلا عبرة لمن أنكر القنوت أمام هذا الإجماع؛ لأن الدليل لا ينقض إلا بما يساويه، أو يزيد عليه في القوة.

والحكمة في جعل القنوت جهرًا، وأثناء القيام هو اشتراك الإمام والمأموم في الدعاء وهم في حالة نشاط وإقبال على الله تعالى, ولذلك أجمعوا على الجهر بالقنوت لتحقيق هذه المشاركة بين الإمام يدعو، والمأمومين يؤمنون، ولا خلاف في الجهر بالقنوت بين الأئمة في أوقات الصلاة ما عدا صلاة الصبح فإنهم اختلفوا في محله، وفي الجهر به٢.


١ صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الرجيح ج٦ ص٣١٨.
٢ صحيح البخاري بشرح فتح الباري كتاب الوتر باب القنوت ج٢ ص٤٩٠، ٤٩١.

<<  <   >  >>