وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا خرج في غزوة يولي على المدينة أحد أصحابه، وإذا أرسل سرية عين أميرًا لها, وكان يعطي الراية لرجل يختاره صلى الله عليه وسلم ليتعلم أصحابه في حياته صلى الله عليه وسلم سلوك القيادة، ويتحملوا مسئولية الحكم والإمارة ويتدربوا على استنباط الرأي، والقدرة على اتخاذ القرار، وحسن التصرف فيما يجد من شئون الحياة.
ولم تخل تحركاته صلى الله عليه وسلم من دعوة الله تعالى في كل حال، كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ما نزل من القرآن الكريم وكان يؤمهم في الصلاة، ويعرفهم أحكام شرع الله تعالى، ويعيش حياته الاجتماعية بصورة إنسانية عادية، فتزوج، وزوج، وولد له.
ولم يجعل هذه المرحلة رغم كثرة الغزوات والسرايا تدور في إطار إجراءات طارئة خاصة بها، وإنما عاشها صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه بصورة عادية، يجاهدون ويستريحون، يعبدون الله ويتمتعون بالدنيا، ولذلك تعجب أعداء الإسلام مما رأوا من المسلمين، وانعكس هذا العجب على سلوكهم وأعمالهم، ولذلك لم يفكروا مرة في مواجهة المسلمين وقتالهم حين أتوا إليهم، بل كانوا يفرون ويهربون لسابق معرفتهم بشجاعتهم ورجولتهم.
وقد تعرض المسلمون للخداع من أعدائهم كما حدث في الرجيع، وبئر معونة، ولم يضعف حالهم بذلك، وإنما تصوروا الأمر على حقيقته، وتيقنوا أن طريق الإسلام طريق شاق، يحتاج للمجاهدة والتضحية، وعلى المسلمين أن يستعدوا لتجاوز هذا الطريق، وعليهم أن يؤمنوا بأن الآخرة خير من الأولى، وأن كل ما يصيبهم في سبيل الله هو خير لهم وأن الإيمان الحق يحتاج لدماء تحميه من أعدائه المتربصين الذين يريدون إطفاء نور الحق، والقضاء على منهج الله القويم, ولذلك كانوا وقود النور، ومشعل الخير للناس أجمعين.
ولعل أهم ما في هذه المرحلة هو الترابط التام بين المسلمين بعدما اندمج المهاجرون والأنصار في أخوة تامة وترابط شامل للظاهر والباطن، وعاش المسلمون جميعًا أخوة الإيمان والعقيدة, ولذلك لم يكن غريبًا عليهم أن يواجه المسلم أباه أو أخاه، أو ابنه أثناء الغزوات لأن ما عدا رباط العقيدة بين الناس زال وانتهى.