ثم إني شجعت نفسي حتى دخلت العسكر، فإذا أدنى الناس مني بنو عامر يقولون: يا آل عامر الرحيل. الرحيل، لا مقام لكم.
وإذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرًا، فوالله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم، وفرشهم، الريح تضرب بها.
ثم إني خرجت نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتصفت في الطريق، أو نحو من ذلك، إذ أنا بنحو من عشرين فارسًا، أو نحو ذلك معتمين، فقالوا: أخبر صاحبك أن الله قد كفاه، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشتمل في شملة يصلي، فوالله ما عدا أن رجعت راجعني القر وجعلت أقرقف، فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وهو يصلي، فدنوت منه فأسبل على شملته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى، فأخبرته خبر القوم وأخبرته أني تركتهم يرحلون١.
فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رد الله عدوه بغيظهم، لم ينالوا خيرًا وكفاه الله قتالهم، فصدق وعده، وأعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
ولما رحل المشركون رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان رجوعه صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه من الخندق في يوم الأربعاء السابع من ذي القعدة من العام الخامس الهجري، وسر المسلمون برجعوهم منتصرين، وأسرعوا إلى المدينة هربًا من القر والجوع، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السرعة حتى لا يظن المنافقون والأحزاب بهم ضعفًا.
وقد استشهد من المسلمين ستة شهداء وهم: سعد بن معاذ، وأنس بن أوس بن عتيك, وعبد الله بن سهل، والطفيل بن النعمان، وثعلبة بن عتمة، وكعب بن زيد النجاري رضي الله عنهم، ورحمهم وقتل من المشركين ثلاثة وهم: منبه بن عثمان، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، وعمرو بن عبد ود، ولم يشترك المنافقون في قتال؛ لأنهم كانوا بادين في الأعراب خارج المدينة٢.
إن معركة الأحزاب كانت هجمة شرسة من كافة مشركي الجزيرة العربية، وعلى رأسهم القرشيون الذين جاءوا إلى المدينة، ومعهم خبرة الغزوات السابقة، فكثروا العدد، وقصدوا اقتحام المدينة، والقضاء على أهلها، وإعادة اليهود إليها مرة أخرى.
١ البداية والنهاية ج٤ ص١١٤، ١١٥ وانظر الفتح الرباني لترتيب مسند أحمد الشيباني ج٢١ ص٨٠.
٢ البداية والنهاية ج٤ ص١١٥، ١١٦ وقد عاش سعد بن معاذ بجراحه حتى انتهى المسلمون من بني قريظة.