للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن الله تعالى وفق المسلمين بحفر الخندق، ووضع النساء والأطفال في أماكن حصينة وسط المدينة فانقلب الأمر، ولم يحقق المشركون شيئًا من أهدافهم بل إنهم شعروا بضعفهم وتأكدوا من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه في رعاية الله تعالى، بعدما عجزوا بهذا الجمع الذي لن يتمكنوا من جمعه مرة أخرى، وقد رأوا كيف أيد الله سبحانه وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لم يتوقعوه من ريح عاتية، وأعاصير مدمرة، وجدت حول الخندق فقط، وملائكة رأوا أثارهم.

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد انصراف الأحزاب: "الآن نغزوهم، ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم" ١.

وقد كتب أبو سفيان كتابًا أرسله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيه: "باسمك الله، فإني أحلف باللات والعزى، لقد سرت إليك في جمعنا، وإنا نريد ألا نعود أبدًا حتى نستأصلكم، فرأيتك قد كرهت لقاءنا، وجعلت مضايق وخنادق، فليت شعري من علمك هذا؟ فإن نرجع عنكم فلكم منا يوم كيوم أحد"٢.

فلما قرأها أبي بن كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبته, كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من محمد رسول الله إلى أبي سفيان بن حرب، أما بعد، فقديمًا غرك بالله الغرور، أما ما ذكرت أنك سرت إلينا في جمعكم، وأنك لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا، فذلك أمر يحول الله بينك وبينه، ويجعل لنا العاقبة حتى لا تذكر اللات والعزى، وأما قولك: من علمك الذي صنعنا من الخندق؟ فإن الله ألهمني ذلك لما أراد من غيظك وغيظ أصحابك، وليأتين عليك يوم تدافعني بالراح، وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى، وإساف، ونائلة، وهبل، حتى أذكرك ذلك" ٣.


١ صحيح البخاري كتاب المغازي باب الخندق ج٦ ص٣٢٦.
٢ المغازي ج٢ ص٤٩٢.
٣ وفاء الوفاء ج٢ ص٣٤٤ المغازي ج٢ ص٤٩٣.

<<  <   >  >>