رسوله على أتم الوجوه وأكملها التي لا اقتراح للعقول وراءها.
وبسبب صلح الحديبية كانت زيادة الإيمان والإذعان، والانقياد على ما أحبوا وكرهوا، وما حصل لهم في ذلك من الرضى بقضاء الله وتصديق موعوده، وانتظار ما وعدوا به، وشهود منة الله ونعمته عليهم بالسكينة التي أنزلها في قلوبهم، أحوج ما كانوا إليها في تلك الحال التي تزعزع لها الجبال، فأنزل الله عليهم من سكينته ما اطمأنت به قلوبهم وقويت به نفوسهم، وازدادوا به إيمانًا.
وتأمل كيف وصف لهم سبحانه النصر بأنه عزيز في هذا الموطن، ثم ذكر إنزال السكينة في قلوب المؤمنين في هذا الموطن الذي اضطربت فيه القلوب، وقلقت أشد القلق، فهي أحوج ما كانت إلى السكينة، فازدادوا بها إيمانا إلى إيمانهم، ثم ذكر سبحانه بيعتهم لرسوله، وأكدها بكونها بيعة له سبحانه، وأن يده تعالى كانت فوق أيديهم إذ كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، وهو رسوله ونبيه فالعقد معه عقد مع مرسله، وبيعته بيعته، فمن بايعه، فكأنما بايع الله، ويد الله فوق يده، وإذا كان الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبله، فكأنما صافح الله، وقبل يمينه فيد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بهذا من الحجر الأسود، ثم أخبر أن ناكث هذه البيعة إنما يعود نكثه على نفسه، وأن للموفي بها أجرًا عظيمًا.
ثم ذكر حال من تخلف عنه من الأعراب، وظنهم أسوأ الظن بالله: أنه يخذل رسوله وأولياءه، وجنده، ويظفر بهم عدوهم، فلن ينقلبوا إلى أهليهم، وذلك من جهلهم بالله وأسمائه وصفاته، وما يليق به، وجهلهم برسوله وما هو أهل أن يعامله به ربه ومولاه.
ثم أخبر سبحانه عن رضاه عن المؤمنين بدخولهم تحت البيعة لرسوله، وأنه سبحانه علم ما في قلوبهم حينئذ من الصدق والوفاء، وكمال الانقياد والطاعة، وإيثار الله ورسوله على ما سواه، فأنزل الله السكينة والطمأنينة والرضى في قلوبهم، وأثابهم على الرضى بحكمه، والصبر لأمره فتحًا قريبًا، ومغانم كثيرة يأخذونها، وكان أول الفتح والمغانم فتح خيبر، ومغانمها، ثم استمرت الفتوح والمغانم إلى انقضاء الدهر.