ثم ذكر سبحانه أنه هو الذي كف أيدي بعضهم عن بعض من بعد أن أظفر المؤمنين بهم، لما له في ذلك من الحكم البالغة التي منها أنه كان فيهم رجال ونساء قد آمنوا، وهم يكتمون إيمانهم، لم يعلم بهم المسلمون فلو سلطكم عليهم، لأصبتم أولئك بمعرة الجيش، وكان يصيبكم منهم معرة العدوان والإيقاع بمن لا يستحق الإيقاع به، وذكر سبحانه حصول المعرة بهم من هؤلاء المستضعفين المستخفين بهم؛ لأنها موجب المعرة الواقعة منهم بهم، وأخبر سبحانه أنهم لو زايلوهم وتميزوا منهم، لعذب أعداءه عذابًا أليمًا في الدنيا، إما بالقتل والأسر، وإما بغيره، ولكن دفع عنهم هذا العذاب لوجود هؤلاء المؤمنين بين أظهرهم، كما كان يدفع عنهم عذاب الاستئصال، ورسوله بين أظهرهم.
ثم أخبر سبحانه عما جعله الكفار في قلوبهم من حمية الجاهلية التي مصدرها الجهل والظلم، التي لأجلها صدوا رسوله وعباده عن بيته ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، ولم يقروا لمحمد بأنه رسول الله مع تحققهم صدقه، وتيقنهم صحة رسالته بالبراهين التي شاهدوها وسمعوا بها في مدة عشرين سنة، وأضاف هذا الجعل إليهم وإن كان بقضائه وقدره، كما يضاف إليهم سائر أفعالهم التي هي بقدرتهم وإرادتهم.
ثم أخبر سبحانه أنه أنزل في قلب رسوله وأوليائه من السكينة ما هو مقابل لما في قلوب أعدائه من حمية الجاهلية، فكانت السكينة حظ رسوله وحزبه، وحمية الجاهلية حظ المشركين وجندهم، ثم ألزم عباده المؤمنين كلمة التقوى، وهي جنس يعم كل كلمة يتقى الله بها، وأعلى نوعها كلمة الإخلاص، وقد فسرت ببسم الله الرحمن الرحيم، وهي الكلمة التي أبت قريش أن تلتزمها، فألزمها الله أولياءه وحزبه، وإنما حرمها أعداءه صيانة لها عن غير كفئها، وألزمها من هو أحق بها وأهلها، فوضعها في موضعها، ولم يضيعها بوضعها في غير أهلها، وهو العليم بمحال تخصصه ومواضعه.
ثم أخبر سبحانه، أنه صدق رسوله رؤياه في دخولهم المسجد آمنين، وأنه سيكون ولا بد، ولكن لم يكن قد آن وقت ذلك في هذا العام، والله سبحانه علم من مصلحة تأخيره إلى وقته ما لم تعلموا أنتم، فأنتم أحببتم استعجال ذلك، والرب تعالى يعلم من مصلحة التأخير وحكمته ما لم تعلموه، فقدم بين يدي ذلك فتحًا قريبًا، توطئة له وتمهيدًا