فخرج حتى أتى العيص، فنزل منه ناحية على ساحل البحر على طريق عير قريش إلى الشام.
وبلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبر أبي بصير، فتسللوا إليه.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي كتب إليهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير:"ويل أمه مِحَشّ حَرْبٍ لو كان معه رجال". وأخبرهم أنه بالساحل، فاجتمع عند أبي بصير قريب من سبعين مسلمًا على رأسهم "أبو جندل بن سهيل"، فكانوا بالعيص، وضيقوا على قريش، فلا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر عير إلا اقتطعوها، ومر بهم ركب يريدون الشام، معهم ثمانون بعيرًا، فأخذوا ذلك، وأصاب كل رجل منهم قيمة ثلاثين دينارًا، وكانوا قد أمروا عليهم أبا بصير، فكان يصلي بهم، ويقرئهم ويجمعهم، وهم له سامعون مطيعون فغاظ قريشًا صنيع أبي بصير، وشق عليهم، وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم إلا أدخل أبا بصير إليه ومن معه، فلا حاجة لنا بهم فكتب صلى الله عليه وسلم إلى أبي بصير أن يتقدم بأصحابه معه، فجاءه الكتاب وهو يموت فجعل يقرؤه رضي الله عنه ومات، والكتاب في يده فدفنه أصحابه، وأقبلوا إلى المدينة وهم سبعون رجلا١.
وهكذا تم إلغاء الشرط الذي وضعه القرشيون لأنفسهم، ظنًا منهم أنه يفيدهم في منع أهل مكة من اعتناق الإسلام.
وقد استمرت جبهة قريش على هدوئها إلى أن نقضت قريش العهد بمناصرة بني بكر حلفائها على بني خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أن تم فتح مكة.