انطلقوا والله لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان، ويوم أحد وما معنا إلا فرس واحد، فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور عليهم، فذلك ما وعدنا الله ووعدنا نبينا، وليس لوعده خلف وإما الشهادة، فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان.
فشجع الناس ومضوا إلى مؤتة، فرأوا المشركين ومعهم ما لا قبل للمسلمين به من العدد، والسلاح، والكراع، والديباج، والحرير، والذهب.
قال أبو هريرة: وقد شهدت ذلك فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أقرم: يا أبا هريرة، ما لك؟ كأنك ترى جموعًا كثيرة.
قلت: نعم.
قال: لم تشهدنا ببدر، إنا لم ننصر بالكثرة.
وقاتل الأمراء يومئذ على أرجلهم: فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل وقاتل الناس معه، والمسلمون على صفوفهم، وعلى الميمنة قطبة بن قتادة السدوسي، وعلى الميسرة عباية بن مالك، فقتل زيد طعنًا بالرماح.
ثم أخذ اللواء جعفر فنزل عن فرسه فعرقبها، ثم قاتل حتى قتل: ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين، فوجد في نصفه بضع وثلاثون جرحًا، وقيل: وجد فيما بين منكبيه، اثنتان وسبعون ضربة بسيف أو طعنة برمح، ووجد به طعنة قد أنفذته.
ثم أخذ اللواء بعده عبد الله بن رواحة، فقاتل حتى قتل١.
وسقط اللواء، فاختلط المسلمون والمشركون، وانهزم المسلمون أسوأ هزيمة، وقتلوا، وأتبعهم المشركون، فجعل قطبة بن عامر يصيح: يا قوم يقتل الرجل مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرًا، فما يثوب إليه أحد، ثم تراجعوا، فأخذ اللواء ثابت بن أقرم، وصاح: يا للأنصار، فأتاه الناس من كل وجه وهم قليل، وهو يقول: هلموا إلي أيها الناس.
فلما نظر إلى خالد بن الوليد قال: خذ اللواء يا أبا سليمان.