البلاغ رجل واحد إلى أمة كبيرة بعيدة, ولم يترتب على عدم الاستجابة عداء أو حرب اللهم إلا في حالات الاعتداء على حامل الرسالة، والاستهزاء بشخصه، والاستهانة بإنسانيته، واحتقار دين الله تعالى بأي صورة كانت.
وعاشت الجزيرة العربية كلها حالة من الاستقرار والهدوء، وبدأ الناس يفدون إلى المدينة المنورة باحثين عن الحق ليكونوا معه وراجت تجارة أهل مكة بعدما تحقق الأمان لهم وهم يرحلون, ولم يشذ عن هذا الاستقرار إلا فريقان من الناس.
الفريق الأول وهم اليهود، فلقد تجمعوا في منطقة خيبر بعد إخراجهم من المدينة ونظموا حياتهم ومعاشهم فزرعوا الوادي بالنخيل والأشجار والثمار، وأقاموا على المرتفعات البيوت وحصونها وفق خطة منتظمة حيث جعلوا كل مجموعة من البيوت حصنًا، وكل حصون مرتفع ما حصنًا رئيسًا، وأحاطوا كل حصن رئيس بسور ضخم أعدوه للدفاع والقتال يسمح للمدافعين بالإقامة فوقه في علوهم. وبعد هذا يكون الوادي المزروع, وأسسوا في السور أبوابًا للدخول والخروج أحاطوها بالحرس من جانبيه, وربطوا بين الحصون الرئيسية بطرق بين الشجر والزروع، وتحت الأرض, وتصور اليهود في خيبر إمكانية تعرضهم للحصار فملئوا حصونهم بالأمتعة، والأغذية والسلاح ليتحملوا الحصار مدة طويلة توقع من يهاجمهم في اليأس، وتضطره إلى الإنسحاب وظن اليهود أن حصونهم ستمنعهم من المسلمين فأخذوا في الكيد لهم، وتحريض الأعراب على معاداة المسلمين، وتشجيع الرومان وأتباعهم على ضرورة التصدي للقوة الإسلامية قبل أن يستفحل الأمر، ويستحيل مواجهة المسلمين.
قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم واقع اليهود، وتيقن أن السكوت على عداوتهم وتصرفاتهم سيعيد الكثير إلى معاداة المسلمين، وسيزيدهم غرورًا وهمجية، ولذلك كانت ضرورة التحرك إلى خيبر وما حولها للتخلص من هذا الخطر الذي لا يرضى بالسلام، ولا يريد المسالمة وكان إن قضى النبي صلى الله عليه وسلم على حصونهم وأتباعهم في خيبر، وفدك، وتيماء، وأذرعات، وبذلك تطهر شمال جزيرة العرب، وأصبحت الحركة آمنة للدعوة إلى الله تعالى.