للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما مضت أربعون ليلة بعث إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى هلال بن أمية ومرارة بن ربيع مع خزيمة بن ثابت يأمرهم أن يعتزلوا نساءهم، فقال كعب لامرأته: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما هو قاض!

وبكى هلال بن أمية وامتنع عن الطعام، وواصل اليومين والثلاثة ما يذوق طعامًا، إلا أن يشرب الشربة من الماء أو الضيح من اللبن، ويصلي الليل ولم يخرج من بيته لأن أحدًا لا يكلمه، حتى إن الوالدين يهجرونه لطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجاءت امرأته فقالت: يا رسول الله! إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع لا خادم له، وأنا أرق به من غيري، فإن رأيت أن تدعني أخدمه فعلت.

قال: "نعم، ولكن لا تدعيه يصل إليك! ".

فقالت: يا رسول الله! ما به من حركة إليّ! والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، وإن لحيته لتقطر دموعًا الليل والنهار، ولقد ظهر البياض على عينيه حتى تخوفت أن يذهب بصره.

فلما كملت خمسون ليلة، وهم كما قال الله تعالى قد {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} ١ أنزل الله توبتهم بقوله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ٢ وقوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ٣ وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ٤.

فأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك عند الصبح، فخرج أبو بكر رضي الله عنه فأوفى على


١ سورة التوبة: ١١٨.
٢ سورة التوبة: ١١٧.
٣ سورة التوبة: ١١٨.
٤ سورة التوبة: ١١٩.

<<  <   >  >>