فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج، إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس، فقال: يا سراقة، إني قد رأيت آنفًا أسودة بالساحل، أراها محمدًا وأصحابه.
ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت، فدخلت، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي، وهي من وراء أكمة فتحبسها عليّ، وأخذت رمحي، فخرجت به من ظهر البيت، فحططت بزجة الأرض، وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها، فرفعتها تقرب بي، حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي، فخررت عنها فقمت، فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها: أضرهم أم لا؟
فخرج الذي أكره، فركبت فرسي وعصيت الأزلام، تقرب بي، حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدي فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم.
ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني، ولم يسألاني إلا أنه صلى الله عليه وسلم قال:"أخف عنا". فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب الأمان في رقعة من أديم١.
٢- شاة أم معبد الخزاعية:
في أثناء رحلة الهجرة مر الرسول وصحبه بخيمة أم معبد، وهي امرأة بدوية كريمة تطعم وتسقي من يأتيها، واسمها عاتكة بنت خالد الخزاعية، تكنى باسم ولدها معبد.
١ صحيح البخاري كتاب المناقب ج٦ ص٢١٠، ٢١١، ط الأوقاف.