وركب حين زاغت الشمس في يوم التروية، بعد أن طاف بالبيت فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى.
ثم أصبح فسار إلى عرفة، ولم يركب من منى حتى رأى الشمس قد طلعت، ثم ركب إلى عرفة، ونزل بنمرة، وقد ضرب له بها قبة من شعر، ويقال: إنما قال إلى فيء صخرة، وميمونة رضي الله عنها تتبع ظلها حتى راح، وأزواجه في قباب خز فلما كان حين زاغت الشمس أمر براحلته القصواء، فرحلت برحل رث وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم، فلما توجه قال:"اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة". ثم أتى بطن عرنة، وكانت قريش لا تشك أنه لا يتجاوز المزدلفة يقف بها، فقال نوفل بن معاوية الديلمي وهو يسير إلى جنبه: يا رسول الله ظن قومك أنك تقف بجمع.
فقال صلى الله عليه وسلم:"لقد كنت أقف بعرفة قبل النبوة خلافًا لهم".
وكانت قريش كلها تقف بجمع إلا شيبة بن ربيعة من بينهم فإنه كان يقف بعرفة.
وخطب صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس، ببطن عرنة على ناقته فلما كان آخر خطبته أذن بلال وسكت صلى الله عليه وسلم من كلامه، فلما فرغ بلال من أذانه تكلم بكلمات، وأناخ راحلته، وأقام بلال فصلى عليه السلام الظهر، ثم أقام العصر جمع بينهما بأذان وإقامتين، ثم ركب، وهو يشير بيده إلى الناس:"ارتفعوا إلى عرفة". وكان من خطبته بعرفة قبل الصلاتين:
"أيها الناس إني والله ما أدري لعلي لا ألقاكم بمكاني هذا، بعد يومكم هذا، رحم الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، واعلموا أن أموالكم ودماءكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، واعلموا أن الصدور لا تغل على ثلاث: إخلاص العمل لله، ومناصحة أهل الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من وراءهم، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، وأول دماء الجاهلية أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعًا في بني سعد بن بكر فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع كله، وأول ربا أضعه ربا العباس بن