فإن توليت فإنما عليك إثمك وإثم الإريسيين معك". والإريسيون هم المزارعون.
فنجده صلى الله عليه سولم يحدثهم بحديث الخبير بهم، يحدثهم عن مريم، وعن عيسى عليه السلام كما يحدث المقوقس عن المزارعين بمصر.
ونلحظ أن رسائله صلى الله عليه وسلم قد صيغت بلغة، ولهجة من أرسلت إليهم، فهذه رسالته إلى نهد قبيلة باليمن، يقول فيها صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لهم في محضها، ومخضها، ومذقها وابعث راعيها في الدثر، وافجر له الصمد، وبارك له في المال والولد"١.
بل إن رسائله صلى الله عليه وسلم كانت تناسب طبائع الناس، ومنزلتهم، وتنوعهم.
ألا يدل ذلك على أهمية فهم الواقع وضرورة العلم بالناس الذين توجه إليهم الدعوة؟
وقد دلت التجارب المعاصرة على أهمية التمهيد لحركة الدعوة بمعرفة الواقع على ما هو فيه بكل صدق وتجرد؛ لأن الدعاة إذا جهلوا الواقع حين يقومون بالدعوة يصطدمون بالمستمعين بادئ ذي بدء، ولهذا أثره السيئ، كما أن عدم معرفة الواقع يؤدي إلى عدم الاستعداد له، الأمر الذي يضع الدعاة في غربة فكرية ونفسية مع من يتوجهون إليهم، ولا يمكن القول بأن دراسة الواقع، ومعرفة متطلبات الدعوة مسئولية من يكلفون بالدعوة، ويباشرونها لأن ذلك فوق مقدورهم، وأكبر من طاقتهم.
لو كان مجال الدعوة إقليمًا واحدًا لأوجبنا على الدعاة "أفرادًا" أن يبدءوا عملهم بالبحث والدراسة، ولا يباشرون الدعوة إلا بعد فهم الواقع، والإحاطة الكاملة بأحوال المدعوين.
لو كان المجال إقليمًا واحدًا لقلنا ذلك، لكنه العالم كله وحينئذ لا يستطيع التعريف به إلا هيئات ضخمة، قادرة على توظيف العلماء، وتوجيه الطاقات، والقيام بالدراسات والبحوث النظرية والميدانية وبذل ما تحتاجه من تضحيات، ومن الممكن الاستفادة بالأبحاث العملية العديدة التي تقدم من طلاب الدراسات العليا في كليات الدعوة والدراسات الإسلامية العديدة وبخاصة تلك الأبحاث القائمة على الدراسة الميدانية، ويمكن تأسيس المعاهد البحثية لتحقيق هذه الغاية.
١ انظر كتب النبي صلى الله عليه وسلم ص٥١٨-٥٢٥ من الكتاب.