للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَتَلَهُ. فَقَضَى عُمَر بِعَقْلِ الْبَصِيرِ عَلَى الأَعْمَى. وَهَذَا قَوْلُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَشريح وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّافِعِيّ وَإِسْحَاقِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٍ: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى ضَمَانُ الْبَصِيرِ لإِنَّهُ الَّذي قَادَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَا فِيهِ، وَكَانَ سَبَبُ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ قَصْدًا لَمْ يَضْمَنْهُ بِغَيْرِ خِلافٍ وَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الأَعْمَى، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ بِقْصَدْهِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، إِلا أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَلا تَجُوزُ مُخَالَفَةِ الإِجْمَاعِ، وَيُحْتَمْل أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الأَعْمَى فَلَمْ يضمن مَا تَلَفَ بِهِ كَمَا لَوْ حَفَرَ لَهُ بِئْرًا فِي دَارِهِ بِإِذْنِهِ فَتَلَفَ بِهَا، الثَّانِي أَنَّهُ فعل مَنْدوب إِلَيْهِ مَأْمُور بِهِ فَأَشْبَه مَا لَوْ حَفَر بِئْرًا فِي سَابلة يَنْتَفِعُ بِها الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ لا يَضْمَنُ مَا تَلَفَ بِهَا.

فَصْلٌ: فَإِنْ سَقَطَ رَجُلٌ فِي بِئْرٍ فَتَعَلَّقَ بِآخَر فَوَقَعَا مَعًا فَدَمُّ الأَوَّلِ هَدَرٌ لأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلِهِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَة الثَّانِي إِنْ مَاتَ لأَنَّهُ قَتَلَهُ بِجَذْبَتِهِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ الثَّانِي بِثَالِثٍ فَمَاتُوا جَمِيعًا فَلا شَيْء عَلَى الثَّالِثِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَتِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لأَنَّهُ جَذَبَهُ وَبَاشَرَهُ بِالْجَذْبِ، وَالْمُبَاشَرَة تَقْطَعُ حُكْمُ السَّبَبِ كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ.

إِلَى أَنْ قَالَ: فَصْلٌ: وَإِنْ هَلَكُوا بِأَمْرٍ فِي الْبِئْرِ مِثْل أَسَد كَانَ فِيهِ وَكَانَ الأَوَّلُ جَذَبَ الثَّانِي وَالثَّانِي جَذَبَ الثَّالِثَ وَالثَّالِثُ جَذَبَ الرَّابِعَ فَقَتَلَهُمْ الأَسَدُ فَلا شَيْءٍ عَلى الرَّابِعِ وَدِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى عَوَاقِلِ الثَّلاثَةِ أَثْلاثًا وَدَمُّ الأَوَّلِ هَدَرٌ وَعَلَى عَاقِلَتِه دِيَةُ الثَّانِي، وَأَمَّا دِيَةُ الثَّالِثُ فَعَلَى الثَّانِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَفِي الآخَرِ عَلَى الأَوَّلِ وَالثَّانِي نَصْفَيْنِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةُ الزّبية. وَقَدْ رَوَى حَنَشُ الصَّنْعَانِي أَنْ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ

الْيَمَنِ حَفَرُوا زبية لِلأّسَدِ. فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى رَأْسِهَا فَهَوَى فِيهَا وَاحِِدٌ فَجَذَبَ ثَانِيًا، فَجَذَبَ الثَّانِي الثَّالِثَ ثُمَّ جَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا فَقَتَلَهُمْ الأَسَدُ. فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ - رضي الله عنه - فَقَالَ: لِلأَوَّلِ رُبْعُ الدِّيَةِ لأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ ثَلاثَةٌ، وّلِلثَّانِي ثُلْثُ الدِّيَةِ لأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ اثْنَان، وَلِلثَّالِثِ نَصْفُ الدِّيَة لأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ وَاحِدٌ، وَلِلرَّابِعِ كَمَال الدِّيَةِ. وَقَالَ: فَإِنِّي أَجْعَلُ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ حَضَرَ رَأْسَ الْبِئْرِ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «هُوَ كَمَا قَالَ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ بن مَنْصُورٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عوانَة وَأَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سماك بن حَرْب عَنْ حَنَشٍ بِنَحْوِ هَذَا الَمَعْنَى. قَالَ أَبُو

<<  <  ج: ص:  >  >>