للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِي إذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَيْ حُكْمِهِ الْمَجَازِيِّ خَلَفَ عَنْ حُكْمِهِ الْحَقِيقِيِّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا اللَّفْظُ خَلَفَ عَنْ عَيْنِ هَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ بِالْجِهَتَيْنِ فَعَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ الْأَصْلُ هَذَا ابْنِي وَالْخِلَافُ فِي الْجِهَةِ فَقَطْ عِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَعِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا ابْنِي خَلَفَ عَنْ هَذَا حُرٌّ فَالْخِلَافُ يَكُونُ فِي الْأَصْلِ وَالْخَلَفُ لَا فِي جِهَةِ الْخَلَفِيَّةِ فَقَطْ وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ إنَّهُ يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ مَوْضُوعٌ لِلْإِيجَابِ بِصِيغَتِهِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فَإِذَا وُجِدَ وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ أَيْ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، فَصِحَّةُ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَتَعَذُّرُ الْعَمَلِ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مَخْصُوصَانِ بِهَذَا ابْنِي فَأَمَّا هَذَا حُرٌّ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا وَالْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصْلَ هَذَا ابْنِي مُرَادًا بِهِ الْبُنُوَّةَ فَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ لَفْظٌ وَأُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ هَلْ يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَمْ لَا فَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ فَحَيْثُ يُمْنَعُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَا يَصِحُّ الْمَجَازُ وَعِنْدَهُ لَا بَلْ يَكْفِي صِحَّةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ (لَهُمَا أَنَّ فِي الْمَجَازِ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ إلَى لَازِمِهِ فَالثَّانِي) أَيْ اللَّازِمُ

ــ

[التلويح]

التَّفْسِيرِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَالْخَلَفِ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ.

(قَوْلُهُ فَصِحَّةُ الْأَصْلِ) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَمْ يَنْقُلْ جَوَابَ الشَّرْطِ الْوَاقِعِ فِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ قَوْلُهُ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى خَلَفِهِ احْتِرَازًا عَنْ إلْغَاءِ الْكَلَامِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَصْلَ مَا صَحَّ تَكَلُّمًا، وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَى هَذَا ابْنِي لَا عَلَى هَذَا حُرٌّ.

(قَوْلُهُ لَهُمَا) الْمَشْهُورُ فِي اسْتِدْلَالِهِمَا أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْمَقْصُودُ لَا نَفْسُ اللَّفْظِ فَاعْتِبَارُ الْأَصَالَةِ وَالْخَلَفِيَّةِ فِي الْمَقْصُودِ أَوْلَى وَفِي اسْتِدْلَالِهِ أَنَّ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ فَاعْتِبَارُ الْأَصَالَةِ وَالْخَلْفِيَّةِ فِي التَّكَلُّمِ الَّذِي هُوَ اسْتِخْرَاجُ اللَّفْظِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ أَوْلَى، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي اسْتِدْلَالِهِمَا مَا يُلَائِمُ كَلَامَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَنَّ مَبْنَى الْمَجَازِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ فَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ الْمَلْزُومِ لِيَتَحَقَّقَ الِانْتِقَالُ مِنْهُ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِهِ لَا عَلَى إرَادَتِهِ، وَالْفَهْمُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ اللَّفْظِ، وَكَوْنُهُ بِحَيْثُ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى لَا عَلَى إمْكَانِ مَعْنَاهُ وَصِحَّتِهِ فِي نَفْسِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَجَازَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ صِحَّةُ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فِي كَلَامِ الْبُلَغَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى بَلْ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ، وَهُوَ الْبِرُّ غَيْرُ مُمْكِنٍ) فَإِنْ قِيلَ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَأُرِيقَ فَإِعَادَةُ الْمَاءِ فِي الْكُوزِ مُمْكِنٌ فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْقَى الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا، وَهُوَ مَيِّتٌ وَقْتَ الْحَلِفِ لِإِمْكَانِ إعَادَةِ حَيَاتِهِ، وَكَمَا إذَا حَلَفَ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا قُلْنَا ابْتِدَاءُ الْيَمِينِ فِي الْكُوزِ انْعَقَدَتْ عَلَى الْمُمْكِنِ فِي الظَّاهِرِ، وَعِنْدَ الْإِرَاقَةِ مَا بَقِيَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>