جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} وَالْمُخَاطَبُ بِهِمَا الْأَئِمَّةُ وقَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ} جُمْلَةٌ إخْبَارِيَّةٌ وَلَيْسَ الْأَئِمَّةُ مُخَاطَبِينَ بِهَا فَدَلِيلُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْجَزَاءِ قَائِمٌ وَلَا تَقْبَلُوا وَدَلِيلُ عَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي أُولَئِكَ فَعَطَفْنَا الْأَوَّلَ عَلَى الْجَزَاءِ لَا الْآخِرَ وَثَمَرَةُ هَذَا تَأْتِي فِي آخِرِ فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَلِهَذَا تَدْخُلُ فِي الْجَزَاءِ فَإِنْ قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَهَذِهِ الدَّارُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالشَّرْطُ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى التَّرْتِيبِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ، وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَعْلُولِ نَحْوَ جَاءَ الشِّتَاءُ فَتَأَهَّبْ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْلُولُ عَيْنَ الْعِلَّةِ فِي الْوُجُودِ لَكِنْ فِي الْمَفْهُومِ غَيْرَهَا نَحْوَ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ وَنَحْوَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ حَتَّى يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» فَإِنْ قَالَ بِعْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْك فَقَالَ الْآخَرُ فَهُوَ حُرٌّ يَكُونُ قَبُولًا بِخِلَافِ هُوَ حُرٌّ وَلَوْ قَالَ لِخَيَّاطٍ أَيَكْفِينِي هَذَا الثَّوْبُ قَمِيصًا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ فَاقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ فَإِذَا هُوَ لَا يَكْفِيه يَضْمَنُ كَمَا لَوْ
ــ
[التلويح]
نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ الْفَاعِلِ إلَّا فِعْلٌ وَاحِدٌ، وَإِلَّا فَالسَّقْيُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ وَضْعِ الْمَاءِ عَلَى كَفِّهِ أَوْ صَبِّهِ فِي حَلْقِهِ، وَالْإِرْوَاءُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بَعْدَ شُرْبِهِ بِقَدْرِ الرِّيِّ، وَلِهَذَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ سَقَاهُ فَمَا أَرْوَاهُ، وَأَمَّا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ} [هود: ٤٥] ، وَ {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} [هود: ٣٢] فَذَهَبَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ إلَى أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِرَادَةِ أَيْ أَرَادَ النِّدَاءَ، وَأَرَدْت جِدَالَنَا فَيَتَحَقَّقُ التَّعْقِيبُ، وَبَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ مَرْتَبَةَ الْمُفَسِّرِ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الْمُفَسَّرِ، وَمَرْتَبَةَ الْمَعْلُولِ بَعْدَ الْعِلَّةِ فَاسْتُعِيرَتْ الْفَاءُ لِمُجَرَّدِ التَّعْقِيبِ وَالتَّأَخُّرِ فِي الرُّتْبَةِ.
(قَوْلُهُ «وَلَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ» ) يَعْنِي أَنَّ الْوَالِدَ سَبَبٌ لِحَيَاتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَهُوَ بِالْإِعْتَاقِ يَصِيرُ سَبَبًا لِحَيَاتِهِ الْحُكْمِيَّةِ لِأَنَّ الرِّقَّ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ فَالْفَاءُ هَاهُنَا لِمُجَرَّدِ التَّأْخِيرِ بالْمَعْلُولِيَّةِ لَا بِالزَّمَانِ فَبِالِاشْتِرَاءِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ، وَبِالْمِلْكِ يَحْصُلُ الْعِتْقُ لِأَنَّ وَضْعَ الشِّرَاءِ لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ، وَالْإِعْتَاقِ لِإِزَالَتِهِ فَلَا يَكُونُ حُكْمًا لِلشِّرَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الشِّرَاءِ لِكَوْنِهِ مُوجِبًا لِمُوجِبِ الْعِتْقِ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ حُرٌّ) مَعَ الْفَاءِ يَقْتَضِي الْقَبُولَ كَأَنَّهُ قَالَ قَبِلْت فَهُوَ حُرٌّ إذْ الْإِعْتَاقُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِيجَابِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَبُولِ بِخِلَافِ هُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَدًّا لِلْإِيجَابِ بِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَهُ، وَكَذَا الْإِذْنُ بِالْقَطْعِ بِدُونِ الْفَاءِ إذْنٌ مُطْلَقٌ، وَمَعَ الْفَاءِ مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ أَيْ إذَا كَانَ كَافِيًا فَاقْطَعْهُ قَوْلُهُ (وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْعِلَلِ) دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى الْجُمَلِ الْوَارِدَةِ بَعْدَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي مُسْتَفِيضٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى مَعْنَى كَوْنِ مَا بَعْدَهَا سَبَبًا لِمَا قَبْلَهَا، وَلَمَّا كَانَ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَالسَّبَبُ يَكُونُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمُسَبَّبِ لَا مُتَعَاقِبًا إيَّاهُ تَكَلَّفَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِتَحْقِيقِ التَّعْقِيبِ بِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ عِلَّةٌ بِاعْتِبَارِ مَعْلُولٍ بِاعْتِبَارٍ وَدُخُولَ الْفَاءِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْلُولِيَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute