قَالَ إنْ كَفَانِي فَاقْطَعْهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اقْطَعْهُ، وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْعِلَلِ نَحْوَ أَبْشِرْ فَقَدْ أَتَاك الْغَوْثُ وَنَظِيرُهُ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ يُعْتَقُ فِي الْحَالِ وَكَذَا انْزِلْ فَأَنْتَ آمِنٌ) اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الْفَاءِ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى الْمَعْلُولِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ وَالْمَعْلُولُ يَعْقُبُ الْعِلَّةَ وَإِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْعِلَلِ لِأَنَّ الْمَعْلُولَ إذَا كَانَ مَقْصُودًا مِنْ الْعِلَّةِ يَكُونُ عِلَّةً غَائِيَّةً لِلْعِلَّةِ فَتَصِيرُ الْعِلَّةُ مَعْلُولًا فَلِهَذَا تَدْخُلُ عَلَى الْعِلَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَعْلُولٌ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: ١٩٧] وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
ذَا مُلْكٍ لَمْ يَكُنْ ذَا هِبَهْ ... فَدَعْهُ فَدَوْلَتُهُ ذَاهِبَهْ
وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا يَعْتِقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ مَعْنَاهُ لِأَنَّك حُرٌّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَأَنْتَ حُرٌّ جَوَابًا لِلْأَمْرِ لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ لَا يَقَعُ إلَّا الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ لِأَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ بِتَقْدِيرِ إنْ وَكَلِمَةُ إنْ تَجْعَلُ الْمَاضِيَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ وَالْجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى الثُّبُوتِ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنَّمَا تَجْعَلُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ مَلْفُوظَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُقَدَّرَةً فَلَا كَمَا تَقُولُ إنْ تَأْتِنِي أَكْرَمْتُك وَلَا تَقُولُ ائْتِنِي أَكْرَمْتُكَ بَلْ يَجِبُ أَنْ تَقُولَ ائْتِنِي أُكْرِمْكَ فَكَذَا فِي الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ تَقُولُ إنْ تَأْتِنِي فَأَنْتَ مُكْرَمٌ وَلَا تَقُولُ ائْتِنِي فَأَنْتَ مُكْرَمٌ فَكَمَا لَا تَجْعَلُ " إنْ " الْمُقَدَّرَةُ الْمَاضِيَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ
ــ
[التلويح]
الْعِلِّيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْلُولَ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ السَّابِقُ عَلَى الْفَاءِ كَالْإِبْشَارِ مَثَلًا عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ لِلْعِلَّةِ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْفَاءُ كَالْإِخْبَارِ بِإِتْيَانِ الْغَوْثِ لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا مِنْهَا فَتَكُونُ تِلْكَ الْعِلَّةُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْفَاءُ مَعْلُولًا بِالنَّظَرِ إلَى تِلْكَ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنْ لَيْسَ الْإِبْشَارُ عِلَّةً غَائِيَّةً لِإِتْيَانِ الْغَوْثِ، وَلَا الْأَمْرُ بِالتَّزَوُّدِ لِكَوْنِ خَيْرِ الزَّادِ التَّقْوَى، وَلَا الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ لِكَوْنِ الْعِبَادَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فِي مِثْلِ اُعْبُدْ رَبَّك فَالْعِبَادَةُ حَقٌّ لَهُ، وَلَا الْأَمْرُ بِتَرْكِهِ لِذَهَابِ دَوْلَتِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ لِلْإِخْبَارِ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا الْعِلَّةُ الْغَائِيَّةُ إنَّمَا تَكُونُ عِلَّةً لِعِلِّيَّةِ الْعِلَّةِ لَا لِلْعِلَّةِ نَفْسِهَا فَكَيْفَ يَكُونُ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْفَاءُ مَعْلُولًا؟ فَالْأَقْرَبُ مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْعِلَلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تَدُومُ فَتَتَرَاخَى عَنْ ابْتِدَاءِ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْغَوْثَ بَاقٍ بَعْدَ الْإِبْشَارِ.
(قَوْلُهُ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ يُعْتَقُ فِي الْحَالِ) بِخِلَافِ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا، وَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ فَيُفِيدُ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ مُقَارِنًا لِمَضْمُونِ الْعَامِلِ وَهُوَ تَأْدِيَةُ الْأَلْفِ، وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِ الْحَالِ قَيْدًا لِلْعَامِلِ أَيْ يَكُونُ حُصُولُ مَضْمُونِ الْعَامِلِ مُقَارِنًا لِحُصُولِ مَضْمُونِ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى حُصُولِ مَضْمُونِهِ سَابِقًا عَلَى حُصُولِ مَضْمُونِ الْعَامِلِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِقَوْلِنَا ائْتِنِي وَأَنْتَ رَاكِبٌ إلَّا عَلَى كَوْنِهِ رَاكِبًا حَالَةَ الْإِتْيَانِ، وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ تَقَدُّمُ مَضْمُونِ الْحَالِ عَلَى الْعَامِلِ لِكَوْنِهَا قَيْدًا لَهُ وَشَرْطًا، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْحُرِّيَّةُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ أَيْ كُنْ حُرًّا وَأَنْتَ مُؤَدٍّ إلَيَّ أَلْفًا أَوْ هِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ أَيْ أَدِّ إلَيَّ أَلْفًا مُقَدِّرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute