للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا حَلَفَ لَا يَتَنَاوَلُ السَّمَكَ وَاللَّبَنَ فَهَاهُنَا لِلِاجْتِمَاعِ تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ، فَإِنْ تَنَاوَلَ أَحَدَهُمَا لَا يَحْنَثُ أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَالدَّلِيلُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ لِأَجْلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمٌ فِي الشَّرْعِ فَالْمُرَادُ نَفْيُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا وَأَيْضًا كَمَا أَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَإِنَّهَا أَيْضًا نَائِبَةٌ عَنْ الْعَامِلِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ لَا يَفْعَلُ الْمَجْمُوعَ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ لَا يَفْعَلُ هَذَا وَلَا يَفْعَلُ هَذَا فَيَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَحْتَاجُ إلَى التَّرْجِيحِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فَاحْفَظْ هَذَا الْبَحْثَ فَإِنَّهُ بَحْثٌ بَدِيعٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي

ــ

[التلويح]

الْيَمِينِ فَإِنَّهُ لَمَّا عَطَفَ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَوْ، وَالثَّالِثَ عَلَى الثَّانِي بِالْوَاوِ صَارَ فِي مَعْنَى لَا أُكَلِّمُ هَذَا أَوْ لَا هَذَيْنِ فَيَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِمَجْمُوعِ الْآخَرَيْنِ لَا بِالثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ وَحْدَهُ فَإِنَّ أَوْ فِي النَّفْيِ لِشُمُولِ الْعَدَمِ، وَالْوَاوُ لِعَدَمِ الشُّمُولِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْعَطْفُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ تَرْجِيحًا لِلْقُرْبِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي قَصْدِ النَّفْيِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَالْعَطْفُ عَلَى الْمَقْصُودِ بِالْحُكْمِ هُوَ الرَّاجِحُ.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ) اعْلَمْ أَنَّ أَوْ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي النَّفْيِ فَهُوَ لِنَفْيِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَيُفِيدُ شُمُولَ الْعَدَمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ أَوْ مَقَالِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لِإِيقَاعِ أَحَدِ النَّفْيَيْنِ فَحِينَئِذٍ يُفِيدُ عَدَمَ الشُّمُولِ كَمَا ذَكَرَ جَارُ اللَّهِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: ١٥٨] أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّفْسِ الْكَافِرَةِ إذَا آمَنَتْ عِنْدَ ظُهُورِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَبَيْنَ النَّفْسِ الَّتِي آمَنَتْ مِنْ قَبْلِهَا وَلَمْ تَكْسِبْ خَيْرًا يَعْنِي أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِيمَانِ بِدُونِ الْعَمَلِ لَا يَنْفَعُ، وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى عُمُومِ النَّفْيِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْإِيمَانُ حِينَئِذٍ لِلنَّفْسِ الَّتِي لَمْ تُقَدِّمْ الْإِيمَانَ وَلَا كَسْبَ الْخَيْرِ فِي الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ إذَا نَفَى الْإِيمَانَ كَانَ نَفْيُ كَسْبِ الْخَيْرِ فِي الْإِيمَانِ تَكْرَارًا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْعُمُومِ أَيْ النَّفْسِ الَّتِي لَمْ تَجْمَعْ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ الْوَاوُ فِي النَّفْيِ فَهُوَ لِعَدَمِ الشُّمُولِ لِأَنَّهَا لِلْجَمْعِ، وَنَفْيِ الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِنَفْيٍ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ أَوْ مَقَالِيَّةٌ عَلَى أَنَّهَا لِشُمُولِ النَّفْيِ وَسَلْبِ الْحُكْمِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَرْتَكِبُ الزِّنَا، وَأَكَلَ مَالَ الْيَتِيمِ، وَكَمَا إذَا أَتَى بِلَا الزَّائِدَةِ الْمُؤَكِّدَةِ لِلنَّفْيِ مِثْلَ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو فَالضَّابِطُ أَنَّهُ إذَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ فِي الْوَاوِ عَلَى شُمُولِ الْعَدَمِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَهُوَ لِعَدَمِ الشُّمُولِ، وَأَوْ بِالْعَكْسِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلِاجْتِمَاعِ تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ فَلِعَدَمِ الشُّمُولِ، وَإِلَّا فَلِشُمُولِ الْعَدَمِ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ فَإِنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ هَذَا وَهَذَا فَهُوَ لِنَفْيِ الْمَجْمُوعِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلِاجْتِمَاعِ فِي الْمَنْعِ، وَمِثْلُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>