للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا فِي اللَّفْظِ فَإِنْ قِيلَ يُقَدِّرُ أَكْلًا، وَهُوَ مَصْدَرٌ ثَابِتٌ لُغَةً) ، وَدَلَالَةُ الْفِعْلِ عَلَى الْمَصْدَرِ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ؛ لِأَنَّهَا دَلَالَةٌ تَضْمِينِيَّةٌ، فَالثَّابِتُ لُغَةً عَلَى قِسْمَيْنِ: حَقِيقِيٌّ مَنْطُوقٌ كَالْمَصْدَرِ، وَمَجَازِيٌّ

ــ

[التلويح]

اقْتَضَاهُ الْكَلَامُ تَصْحِيحًا لَهُ إذَا كَانَ تَحْتَهُ أَفْرَادٌ لَا يَجِبُ إثْبَاتُ جَمِيعِهَا؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَرْتَفِعُ بِإِثْبَاتِ فَرْدٍ فَلَا دَلَالَةَ عَلَى إثْبَاتِ مَا وَرَاءَهُ فَيَبْقَى عَلَى عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ بِمَنْزِلَةِ السُّكُوتِ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ اللَّفْظِ، وَالْمُقْتَضَى مَعْنًى لَا لَفْظٌ، وَقَدْ يُنْسَبُ الْقَوْلُ بِعُمُومِ الْمُقْتَضَى إلَى الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُقْتَضَى لَفْظُ اسْمِ الْفَاعِلِ عِنْدَهُ مَا يَتَوَقَّفُ صِدْقُهُ أَوْ صِحَّتُهُ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا أَوْ لُغَةً عَلَى تَقْدِيرٍ، وَهُوَ الْمُقْتَضَى اسْمُ مَفْعُولٍ فَإِذَا وُجِدَ تَقْدِيرَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَلَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَهُ أَيْضًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الْجَمِيعِ بَلْ يُقَدَّرُ وَاحِدٌ بِدَلِيلٍ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ مُعَيِّنٌ لِأَحَدِهَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُجْمَلِ.

ثُمَّ إذَا تَعَيَّنَ بِدَلِيلٍ فَهُوَ كَالْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ وَالْمُقَدَّرَ سَوَاءٌ فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَعَامٌّ، وَإِلَّا فَلَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ صِفَةِ اللَّفْظِ، وَيَكُونُ إثْبَاتُهُ ضَرُورِيًّا؛ لِأَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ، وَبَيَّنُوا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ أَوْ إنْ أَكَلْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ نِيَّةُ طَعَامٍ دُونَ طَعَامٍ تَخْصِيصًا لِلْعَامِّ أَعْنِي النَّكِرَةَ الْوَاقِعَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ أَوْ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا آكُلُ طَعَامًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَلَا خِلَافَ فِي شُمُولِ الْحُكْمِ وَشُيُوعِهِ لِكُلِّ طَعَامٍ بَلْ الشُّيُوعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْكَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْقَضُ أَصْلًا لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ صُورَةٍ لَا عَلَى عُمُومِ الْمُقْتَضَى، وَكَوْنُ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ مِنْ قَبِيلِ الْمُقْتَضَى ظَاهِرٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِ مَنْ اعْتَبَرَ التَّوَقُّفَ عَلَيْهِ شَرْعًا فَوَجْهُهُ أَنَّ الصِّحَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهِيَ عَلَى الْمُقْتَضَى فَتَكُونُ صِحَّةُ الْحَلِفِ عَلَى الْأَكْلِ شَرْعًا مَوْقُوفَةً عَلَى اعْتِبَارِ الْمَأْكُولِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ:) تَقْرِيرُ السُّؤَالِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ طَعَامٍ دُونَ طَعَامٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ أَكْلًا دُونَ أَكْلٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعُمُومُ فِي الْأَكَلَاتِ فَإِنَّ دَلَالَةَ الْفِعْلِ عَلَى الْمَصْدَرِ لَيْسَتْ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ بَلْ بِحَسَبِ اللُّغَةِ فَيَعُمُّ لِكَوْنِهِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا صَرَّحَ بِهِ نَحْوُ لَا آكُلُ أَكْلًا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِي نِيَّةِ أَكْلٍ دُونَ أَكْلٍ؟ وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمَصْدَرَ الثَّابِتَ لُغَةً، أَيْ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ تَوَقُّفَ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ هُوَ الدَّالُ عَلَى نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ دُونَ الْإِفْرَادِ إذْ لَا دَلَالَةَ فِي الْفِعْلِ عَلَى الْفَرْدِ بَلْ عَلَى مُجَرَّدِ الْمَاهِيَّةِ مَعَ مُقَارَنَةِ الزَّمَانِ فَلَا يَكُونُ عَامِلًا فَلَا يَقْبَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>