مَحْذُوفٌ نَحْوُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢] فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ لَا آكُلُ أَكْلًا، وَنِيَّةُ التَّخْصِيصِ فِي لَا آكُلُ أَكْلًا صَحِيحَةٌ بِالِاتِّفَاقِ
(قُلْنَا الْمَصْدَرُ الثَّابِتُ لُغَةً هُوَ الدَّالُّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ لَا عَلَى الْأَفْرَادِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا آكُلُ أَكْلًا، فَإِنَّ أَكْلًا نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ، وَهِيَ عَامَّةٌ فَيَجُوزُ تَخْصِيصُهَا بِالنِّيَّةِ فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَا آكُلُ عَامًّا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِكُلِّ أَكْلٍ؟ قُلْنَا إنَّمَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مَاهِيَّةِ الْأَكْلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا آكُلُ مَعْنَاهُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ مَاهِيَّةُ الْأَكْلِ) وَعَدَمُ وُجُودِ مَاهِيَّةِ الْأَكْلِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنْ لَا يُوجَدَ مِنْهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكْلِ أَصْلًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ
ــ
[التلويح]
التَّخْصِيصَ بِخِلَافِ الْمَصْدَرِ فِي نَحْوِ: لَا آكُلُ أَكْلًا فَإِنَّهُ عَامٌّ اتِّفَاقًا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ هَاهُنَا لِلتَّأْكِيدِ، وَالتَّأْكِيدُ تَقْوِيَةُ مَدْلُولِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَهُوَ، أَيْضًا لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى الْمَاهِيَّةِ، وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ بِخِلَافِ مَا يَكُونُ لِلنَّوْعِ أَوْ لِلْمَرْأَةِ، وَأَيْضًا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ، وَنَوَى السَّفَرَ خَاصَّةً صُدِّقَ دِيَانَةً، وَوُجِّهَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ ذِكْرٌ لِلْمَصْدَرِ، وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ فَيَقْبَلُ التَّخْصِيصَ.
(قَوْلُهُ فَالدَّلَالَةُ) أَيْ دَلَالَةُ لَا آكُلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكْلِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ نَفْيِ مَاهِيَّةِ الْأَكْلِ إذْ لَوْ وُجِدَ فَرْدٌ مِنْ الْأَفْرَادِ ثَبَتَتْ الْمَاهِيَّةُ فِي ضِمْنِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ أَيْضًا لَيْسَ بِاعْتِبَارِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ نَفْيَ فَرْدٍ مُبْهَمٍ يَقْتَضِي نَفْيَ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ ضَرُورَةً.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ:) تَقْرِيرُ السُّؤَالِ أَنَّ دَلَالَةَ الْمُسَاكَنَةِ عَلَى الْمَكَانِ اقْتِضَاءٌ، وَقَدْ صَحَّتْ نِيَّةُ بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا تَخْصِيصٌ يَقْتَضِي سَابِقِيَّةَ الْعُمُومِ فَلِلْمُقْتَضَى عُمُومٌ، وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ بَلْ إرَادَةٌ لِأَحَدِ مَفْهُومَيْ الْمُشْتَرَكِ أَوْ أَحَدِ نَوْعَيْ الْجِنْسِ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ الْكَامِلَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْإِطْلَاقِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ السُّكْنَى، وَهِيَ الْمُكْثُ فِي الْمَكَانِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ وَالدَّوَامِ فَهِيَ فِعْلٌ يَقُومُ بِهِمَا بِأَنْ يَتَّصِلَ فِعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِفِعْلِ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ فِي الْبَيْتِ يَكُونُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَفِي الدَّارِ إنَّمَا يَكُونُ الِاتِّصَالُ فِي تَوَابِعِ السُّكْنَى مِنْ إرَاقَةِ الْمَاءِ، وَغَسْلِ الثَّوْبِ، وَنَحْوِهِمَا لَا فِي أَصْلِ السُّكْنَى هَذَا وَلَكِنْ قَدْ اُشْتُهِرَتْ الْمُسَاكَنَةُ عُرْفًا فِي الْمُسَاكَنَةِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ لَا، وَلِهَذَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ هَدْمِ النِّيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ نِيَّةُ بَيْتٍ دُونَ بَيْتٍ أَوْ دَارٍ دُونَ دَارٍ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عُمُومِ الْمُقْتَضَى.
(قَوْلُهُ، وَقَدْ غَيَّرَتْ) كَانَ فِي نُسْخَةِ الْأَصْلِ قَوْلُهُ، وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ فَيَجْرِي فِيهِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ مُقَدَّمًا عَلَى قَوْلِهِ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا اقْتِدَاءً بِفَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَخَّرَهُ لِتَقَعَ جَمِيعُ الْمَبَاحِثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعُمُومِ الْمُقْتَضَى وَخُصُوصِهِ مُجْتَمِعَةً.
(قَوْلُهُ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا) قَدْ وَقَعَتْ فِي بَابِ الطَّلَاقِ عِبَارَاتٌ مُتَشَابِهَةٌ صَحَّتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute