لَا لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ (أَيْ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ) فَإِنْ قِيلَ: إنْ قَالَ: لَا أُسَاكِنُ فُلَانًا، وَنَوَى فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ تَصِحُّ نِيَّتُهُ، وَالْبَيْتُ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً قُلْنَا: إنَّمَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ نَوْعَانِ: قَاصِرَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَكَامِلَةٍ، (وَهِيَ هَذِهِ) أَيْ الْمُسَاكَنَةُ الْكَامِلَةُ هِيَ الَّتِي يَسْكُنَانِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَنِيَّةُ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ لَا تَكُونُ مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمُقْتَضَى بَلْ مِنْ بَابِ نِيَّةِ أَحَدِ مُحْتَمَلَيْ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ نِيَّةِ أَحَدِ نَوْعَيْ الْجِنْسِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَقَدْ غَيَّرْت هُنَا عِبَارَةَ الْمَتْنِ بِالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ هَكَذَا (فَنَوَى الْكَامِلَ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا فِي أَنْتِ
ــ
[التلويح]
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي الْبَعْضِ مِنْهَا مِثْلُ طَلِّقِي نَفْسَك دُونَ الْبَعْضِ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك، وَإِذَا صَرَّحَ بِالْمَصْدَرِ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ طَلَّقْتُك طَلَاقًا صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَلَّقْتُك ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ فَلَا يَعُمُّ جَمِيعَ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْأَفْرَادِ وَهُوَ الثَّلَاثُ، وَفِي طَلِّقِي نَفْسَك ثَابِتٌ بِطَرِيقِ اللُّغَةِ فَيَكُونُ كَالْمَلْفُوظِ فَيَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْأَقَلِّ وَعَلَى الْكُلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ يَدُلُّ بِحَسَبِ اللُّغَةِ عَلَى اتِّصَافِ الْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ لَا عَلَى ثُبُوتِ الطَّلَاقِ عَنْ الرَّجُلِ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَيْ الطَّلَاقُ الثَّابِتُ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ عَنْ الرَّجُلِ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ ثَبَتَ ضَرُورَةَ أَنَّ اتِّصَافَ الْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ يَتَوَقَّفُ شَرْعًا عَلَى تَطْلِيقِ الزَّوْجِ إيَّاهَا فَيَكُونُ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي أَنْتِ طَالِقٌ دُونَ طَلَّقْتُك فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ثُبُوتِ التَّطْلِيقِ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ لُغَةً.
أُجِيبَ بِأَنَّ دَلَالَتَهُ بِحَسَبِ اللُّغَةِ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَصْدَرٍ مَاضٍ لَا عَلَى مَصْدَرٍ حَادِثٍ فِي الْحَالِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَغْوًا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الطَّلَاقِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَثْبَتَ لِتَصْحِيحِ هَذَا الْكَلَامُ مَصْدَرًا، أَيْ طَلَاقًا مِنْ قِبَلِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الْحَالِ، وَجَعَلَهُ إنْشَاءً لِلتَّطْلِيقِ فَصَارَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى هَذَا الْمَصْدَرِ اقْتِضَاءً لَا لُغَةً بِخِلَافِ طَلِّقِي نَفْسَك فَإِنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى مَصْدَرٍ مُغَايِرٍ لِمَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لِطَلَبِ الطَّلَاقِ فِي الْمُسْتَقْبِلِ فَلَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى تَصَوُّرِ وُجُودِهِ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ الثَّابِتُ بِهِ هُوَ نَفْسُ مَصْدَرِ الْفِعْلِ فَيَكُونُ ثَابِتًا لُغَةً لَا اقْتِضَاءً فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَلْفُوظِ فَيَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَعَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا عَلَى مَا عَرَفْت فِي نَحْوِ لَا آكُلُ، أَنَّ الْمَصْدَرَ الثَّابِتَ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَكَذَا إذَا كَانَ مَذْكُورًا نَحْوَ طَلِّقِي طَلَاقًا، وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا، وَطَلَّقْتُك طَلَاقًا فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى الْعُمُومِ كَيْفَ، وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ، فَإِنْ قُلْت: فَمِنْ أَيْنَ صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ؟ قُلْت مِنْ جِهَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ اسْمٌ دَالٌ عَلَى الْوَاحِدِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَهُوَ الْمَجْمُوعُ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْمَجْمُوعُ أَعْنِي الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّهُ الْمَجْمُوعُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute