للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَالِقٌ، وَطَلَّقْتُك، وَنَوَى الثَّلَاثَ إنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الَّذِي يَثْبُتُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ إنْشَاءُ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ لَا لُغَوِيٍّ فَيَكُونُ ثَابِتًا اقْتِضَاءً بِخِلَافِ طَلِّقِي نَفْسَك فَإِنَّهُ يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ فَثُبُوتُ مَصْدَرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِطَرِيقِ اللُّغَةِ فَيَكُونُ كَالْمَلْفُوظِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ عَلَى مَا يَأْتِي فَإِنْ قِيلَ: ثُبُوتُ الْبَيْنُونَةِ فِي أَنْتِ بَائِنٌ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ الْبَيْنُونَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا، وَلَا كَذَلِكَ الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ إلَّا بِالْعَدَدِ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ الْمَحْذُوفُ وَهُوَ مَا يُغَيِّرُ إثْبَاتُهُ الْمَنْطُوقَ بِخِلَافِ الْمُقْتَضَى. نَحْوُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: ٨٢]

أَيْ أَهْلَهَا (فَإِثْبَاتُهُ يُغَيِّرُ الْكَلَامَ بِنَقْلِ النِّسْبَةِ

ــ

[التلويح]

وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ بِقَوْلِهِ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ عَلَى مَا شَرَحَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا تَجُوزُ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي الْمُقْتَضَى بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا بِاعْتِبَارِ الْعُمُومِ؟ قُلْت؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ، وَالْمَجَازُ صِفَةُ اللَّفْظِ، وَالْمُقْتَضَى لَيْسَ بِلَفْظٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي ابْتِنَاءَهُ عَلَى عَدَمِ عُمُومِ الْمُقْتَضَى أَيْضًا، نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ لَكَانَ الطَّلَاقُ الثَّابِتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ قَدْ أُرِيدَ بِهِ جَمِيعُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْأَفْرَادِ، وَهُوَ مَعْنَى عُمُومِ الْمُقْتَضَى، وَلِهَذَا قَالَ: الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ ثَابِتًا اقْتِضَاءً لَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لِلْمُقْتَضَى، وَلِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ إنَّمَا تَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ، وَلَا يَصِحُّ نِيَّةُ الْمَجَازِ إلَّا فِي اللَّفْظِ كَنِيَّةِ التَّخْصِيصِ، وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ فُسِّرَ عَدَمُ عُمُومِ الْمُقْتَضَى بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إثْبَاتُ جَمِيعِ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْأَفْرَادِ، وَلِهَذَا لَا يُنَافِي الْجَوَازَ أَعْنِي صِحَّةَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ) هَذِهِ مُعَارَضَةٌ: تَقْرِيرُهَا أَنَّ صِيَغَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ مِثْلُ بِعْت، وَاشْتَرَيْت، وَنَكَحْت، وَطَلَّقْت كُلُّهَا فِي الشَّرْعِ إنْشَاءَاتٌ مَوْضُوعَةٌ لِإِثْبَاتِ هَذِهِ الْمَعَانِي فَالطَّلَاقُ الثَّابِتُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ يَكُونُ ثَابِتًا بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا لَا مُتَقَدِّمًا فَيَكُونُ ثَابِتًا عِبَارَةً لَا اقْتِضَاءً فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ طَلَّقْت طَلَاقًا فَيَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لَا يُقَالُ: هَذَا وَارِدٌ عَلَى جَمِيعِ صُوَرِ الِاقْتِضَاءِ فَإِنَّ الْبَيْعَ، فِي مِثْلِ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ لَا يَثْبُتُ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ بِقَوْلِ الْمَأْمُورِ أَعْتَقْتُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَعْنَى التَّقَدُّمِ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ أَوَّلًا لِيَصِحَّ مَدْلُولُ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ الْبَيْعُ مِنْ الْآمِرِ لَمْ يَصِحَّ الْإِعْتَاقُ عَنْهُ شَرْعًا، وَهَاهُنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ ثُبُوتُ الطَّلَاقِ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ أَوَّلًا لِيَصِحَّ الْإِيقَاعُ بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ إلَّا بَعْدَ الْإِيقَاعِ بِهَذَا الْكَلَامِ فَأَجَابَ عَنْ الْمُعَارَضَةِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إنْشَاءً فِي الشَّرْعِ أَنَّهَا نُقِلَتْ عَنْ مَعْنَى الْأَخْبَارِ بِالْكُلِّيَّةِ وَوُضِعَتْ لِإِيقَاعِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَدْلُولَاتُهَا الْحَقِيقِيَّةُ ذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا صِيَغٌ يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ مَدْلُولَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الْأُمُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>