مِنْ الْقَرْيَةِ إلَيْهِ فَالْمَفْعُولُ حَقِيقَةً هُوَ الْأَهْلُ فَيَكُونُ ثَابِتًا لُغَةً فَيَكُونُ كَالْمَلْفُوظِ فَيَجْرِي فِيهِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ) .
قَوْلُهُ، وَلِذَلِكَ أَيْ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ أَصْلًا لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَلَّقْتُك فَإِنَّ دَلَالَةَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقْتُكِ عَلَى الطَّلَاقِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ لَا بِطَرِيقِ اللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ يَدُلُّ عَلَى اتِّصَافِ الْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الطَّلَاقِ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ لَا ثَابِتٌ لُغَةً فَإِنْ قِيلَ: الطَّلَاقُ الَّذِي يَثْبُتُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ بِطَرِيقِ الْإِنْشَاءِ كَيْفَ يَكُونُ ثَابِتًا بِالِاقْتِضَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى فِي اصْطِلَاحِهِمْ، هُوَ اللَّازِمُ وَالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَثْبُتُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَثُبُوتُهُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْعِبَارَةِ فَيَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ؟ قُلْنَا عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِوَضْعِ الشَّرْعِ هَذَا اللَّفْظَ لِلْإِنْشَاءِ أَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَوَضَعَهُ لِلْإِنْشَاءِ ابْتِدَاءً
ــ
[التلويح]
مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَيَعْتَبِرُ الشَّرْعُ إيقَاعَهَا مِنْ جِهَتِهِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ تَصْحِيحًا لِهَذَا الْكَلَامِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً وَقَدْ ثَبَتَتْ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْكَلَامِ يُسَمَّى إنْشَاءً وَلِهَذَا كَانَ جَعَلُهُ إنْشَاءً ضَرُورِيًّا حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِكَوْنِهِ إخْبَارًا لَمْ يُجْعَلْ إنْشَاءً بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُطَلَّقَةِ وَالْمَنْكُوحَةِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهَذِهِ الصِّيَغِ الْحُكْمُ بِنِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ مَثَلًا " بِعْت " لَا يَدُلُّ عَلَى بَيْعٍ آخَرَ غَيْرِ الْبَيْعِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ، وَلَا مَعْنَى لِلْإِنْشَاءِ إلَّا هَذَا، وَأَيْضًا لَا يُوجَدُ فِيهَا خَاصَّةُ الْأَخْبَارِ أَعْنِي احْتِمَالَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لِلْقَطْعِ بِتَخْطِئَةِ مَنْ يَحْكُمُ عَلَيْهَا بِأَحَدِهِمَا، وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ طَلَّقْت إخْبَارًا لَكَانَ مَاضِيًا فَلَمْ يَقْبَلْ التَّعْلِيقَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ تَوْقِيفُ أَمْرٍ عَلَى أَمْرٍ، وَأَيْضًا يَقْطَعُ كُلُّ أَحَدٍ فِيمَا إذَا قَالَ: لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا قَصَدَ إنْشَاءَ طَلَاقٍ ثَانٍ وَبَيْنَ مَا إذَا أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ الطَّلَاقِ السَّابِقِ.
وَبِالْجُمْلَةِ كَوْنُ هَذِهِ الصِّيَغِ مِنْ قَبِيلِ الْإِنْشَاءِ ظَاهِرٌ، وَلِهَذَا تَحَاشَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ التَّصْرِيحِ بِكَوْنِهَا أَخْبَارًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الطَّلَاقِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الصِّيغَةِ خَبَرًا وَإِلَّا فَهُوَ ثَابِتٌ بِالْعِبَارَةِ قَطْعًا، الثَّانِي أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ طَالِقٌ لُغَةً صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ فِي ذَاتِهِ بَلْ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مَلْزُومِهِ أَعْنِي التَّطْلِيقَ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الرَّجُلِ، وَهُوَ هَاهُنَا غَيْرُ ثَابِتٍ لُغَةً بَلْ اقْتِضَاءً فَلَا يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ فِيمَا يُبْتَنَى تَعَدُّدُهُ عَلَيْهِ قَالَ: وَهَذَا الْوَجْهُ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَهُوَ غَيْرُ شَامِلٍ لِمِثْلِ طَلَّقْتُك، وَهَذَا لَيْسَ اعْتِرَاضًا عَلَى الْهِدَايَةِ بَلْ عَلَى جَعْلِ هَذَا الْكَلَامِ جَوَابًا عَنْ الْمُعَارَضَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ ذِكْرَ الطَّالِقِ ذِكْرٌ لِلطَّلَاقِ لُغَةً كَذِكْرِ الْعَالِمِ ذِكْرٌ لِلْعِلْمِ فَقَالَ ذِكْرُ الطَّالِقِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ هُوَ صِفَةُ لِلْمَرْأَةِ لَا لِطَلَاقٍ هُوَ تَطْلِيقٌ هَذِهِ عِبَارَتُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرَ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّابِتَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute