الْمَغْصُوبَةِ، فَإِنَّ شُغْلَ مَكَانِ الْغَيْرِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُصَلِّي فَإِنَّ كُلَّ جِسْمٍ مُتَمَكِّنٍ فَوَقَعَ بَيْنَ شُغْلِ مَكَانِ الْغَيْرِ، وَبَيْنَ الصَّلَاةِ مُلَازَمَةٌ اتِّفَاقِيَّةٌ، وَأَمَّا الْبِيَعُ الْفَاسِدَةُ، فَإِنَّهَا أَوْجَبْت تِلْكَ الْمَفَاسِدَ أَيْ الْمَفَاسِدَ الْمَذْكُورَةَ كَالْبَيْعِ بِالشَّرْطِ، وَالرِّبَا فَتَكُونُ قَبِيحَةً بِوَصْفِهَا، وَأَمَّا الْبَيْعُ وَقْتَ النِّدَاءِ فَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاشْتِغَالِ عَنْ السَّعْيِ مُلَازَمَةٌ اتِّفَاقِيَّةٌ.
(وَكَذَا النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ؛ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» ) أَيْ يَكُونُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ لَا مَنْهِيٌّ، وَكَلَامُنَا فِي الْمَنْهِيِّ فَيَرِدُ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَاطِلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُثْبِتَ النَّسَبَ، وَلَا يُسْقِطَ الْحَدَّ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا النَّسَبُ وَسُقُوطُ الْحَدِّ لِلشُّبْهَةِ، وَلِأَنَّهُ) عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ.
(وُضِعَ لِلْحِلِّ فَلَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَالْبَيْعُ وُضِعَ لِلْمِلْكِ، وَالْحِلُّ تَابِعٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْرَعُ فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ، وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْحِلَّ أَصْلًا كَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْعَبْدِ) أَيْ وَإِنْ سَلِمَ أَنَّ النِّكَاحَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَإِنَّ نَهْيَهُ يُوجِبُ الْبُطْلَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ النَّهْيَ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ، وَالنِّكَاحَ عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِلْحِلِّ فَلَمَّا انْفَصَلَ عَنْهُ مَا وُضِعَ لَهُ، وَهُوَ الْحِلُّ يَكُونُ بَاطِلًا بِخِلَافِ
ــ
[التلويح]
بَقَاءِ التَّنَاسُلِ، وَبِالنَّهْيِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَيَنْتَفِي الْحِلُّ إجْمَاعًا فَيَنْتَفِي مَشْرُوعِيَّتُهُ ضَرُورَةَ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تُرَادُ لِأَحْكَامِهَا لَا لِذَوَاتِهَا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّهُ شُرِّعَ لِلْمِلْكِ فَانْتِفَاءُ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ لَا يُنَافِيهِ، وَأَمَّا النِّكَاحُ حَالَةَ الْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَيْضِ، فَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ لِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي الْمَآلِ أَعْنِي بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الْعَوَارِضِ لَا يُقَالُ الْبَيْعُ مَشْرُوعٌ لِلْمِلْكِ وَلِحِلِّ الِانْتِفَاعِ، وَالصَّوْمُ لِلطَّاعَةِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُهُمَا بِالنَّهْيِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ حَرَامٌ وَمَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْبَيْعُ مَشْرُوعٌ لِلْمِلْكِ، وَحِلُّ الِانْتِفَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ، وَنَفْسُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً إلَّا إذَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ لِذَاتِهِ، وَالصَّوْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ) ظَاهِرُ السُّؤَالِ نَقْضٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْفِعْلِ الْحِسِّيِّ يَقْتَضِي قُبْحَهُ لِعَيْنِهِ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْقَبِيحَ لِعَيْنِهِ لَا يُفِيدُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزِّنَا وَالْغَصْبِ وَاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالزِّنَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَبِالْغَصْبِ وَالِاسْتِيلَاءِ الْمِلْكُ وَبِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ رُخْصَةُ الْإِفْطَارِ، وَقَصْرُ الصَّلَاةُ وَالْمَسْحِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى هَذَا لَا يُتَوَجَّهُ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الْمُنَاقِضِ بُطْلَانُ الْقَاعِدَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ السُّؤَالُ ابْتِدَاءَ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِغَيْرِهِ، وَكُلُّ مَا هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ قَبِيحٌ لِعَيْنِهِ، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْقَبِيحِ لِعَيْنِهِ بِمُفِيدٍ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ الْأَفْعَالُ الْمَذْكُورَةُ مُفِيدَةً لِلْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ مَنْعًا لِلنَّتِيجَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْقَدْحِ فِي الْمُقَدِّمَتَيْنِ مَعَ أَنَّهُمَا اجْتِمَاعِيَّتَانِ، ثُمَّ اسْتِنَادُ الْمَنْعِ بِالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ لَيْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute