الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ وَضْعَهُ لِلْمِلْكِ لَا لِلْحِلِّ بِدَلِيلِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي مَوْضِعِ الْحُرْمَةِ كَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ، وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْحِلَّ أَصْلًا كَالْعَبْدِ فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهُ الْحِلُّ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ.
(فَإِنْ قِيلَ النَّهْيُ عَنْ الْحِسِّيَّاتِ يَقْتَضِي الْقُبْحَ لِعَيْنِهِ، وَالْقُبْحُ لِعَيْنِهِ لَا يُفِيدُ حُكْمًا شَرْعِيًّا إجْمَاعًا فَلَا يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا وَالْمِلْكَ بِالْغَصْبِ وَاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ، وَالرُّخْصَةُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَا تُوجِبُ النِّعْمَةَ) ثُمَّ وَرَدَ عَلَى هَذَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْحِسِّيَّاتِ لَا يُفِيدُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ يُفِيدُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَالظِّهَارَ يُفِيدُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ، وَهُوَ الْكَفَّارَةُ
ــ
[التلويح]
بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ شَرْعِيَّانِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ اُعْتُبِرَ لَهُمَا فِي الشَّرْعِ شَرَائِطُ وَخُصُوصِيَّاتٌ لَا حِسِّيَّانِ بِمَنْزِلَةِ الشُّرْبِ وَالزِّنَا، وَلَيْتَهُ أَوْرَدَ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَوْنَ كُلٍّ مِنْ الشُّرْبِ وَالزِّنَا مُوجِبًا لِلْحَدِّ، وَعَلَى تَقْدِيرِ اسْتِقَامَةِ مَا ذَكَرَ فَالْجَوَابُ عَنْ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ كَلَامٌ عَلَى السَّنَدِ، وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ جَوَابِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُوَجَّهٍ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَنَبَّهَ عَلَى فَسَادِ مَا تُوُهِّمَ مِنْ كَوْنِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِذَاتِهِ وَكَوْنِ الْكَفَّارَةِ مِنْ أَحْكَامِ الظِّهَارِ وَالْآثَارِ الْمَطْلُوبَةِ بِهِ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِحَلِّ الْإِشْكَالِ وَدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ نَقْضًا لِلْقَاعِدَةِ.
(قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تُوجِبُ النِّعْمَةَ) تَأْكِيدٌ، وَزِيَادَةُ دَلَالَةٍ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الْمَنْهِيَّةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُوجِبَ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ لِكَوْنِهَا نِعَمًا أَمَّا الْمِلْكُ وَالرُّخْصَةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ فَلِمَا فِيهَا مِنْ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَالْبَعْضِيَّةِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: ٥٤] وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
(قَوْلُهُ وَالْأَسْبَابُ) مَعْنَاهُ، ثُمَّ تَتَعَدَّى الْحُرْمَةُ إلَى الْأَطْرَافِ، وَإِيجَابُ الْحُرْمَةِ إلَى الْأَسْبَابِ، ثُمَّ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي السَّبَبِ كَالْوَطْءِ مَثَلًا كَوْنُهُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْوَلَدِ، وَهُوَ عَيْنٌ لَا يَتَّصِفُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ حَرَامٌ زَادَهُ أَنَّهُ لَيْسَ وَلَدٌ مِنْ وَطْءٍ حَرَامٍ لَا يُقَالُ هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَاءَيْنِ امْتَزَجَا امْتِزَاجًا غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ» وَلَا قَرِينَةَ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِمَوْلُودٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مَعْنَى لِاتِّصَافِ امْتِزَاجِ الْمَاءَيْنِ وَانْخِلَاقِ الْوَلَدِ بِكَوْنِهِ حَرَامًا وَبَاطِلًا وَغَيْرَ مَشْرُوعٍ، وَقَدْ نُشَاهِدُ وَلَدَ الزِّنَا أَصْلَحَ مِنْ وَلَدِ الرَّشْدَةِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ وَلَدُ الزِّنَا جَمِيعَ الْكَرَامَاتِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا وَلَدُ الرَّشْدَةِ مِنْ قَبُولِ عِبَادَتِهِ وَشَهَادَتِهِ وَصِحَّةِ قَضَائِهِ وَإِمَامَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْجُزْءِ لَا يَجُوزُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٧] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَاكِحُ الْيَدِ مَلْعُونٌ» .
(قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَلَدِ الْحُرْمَةِ إلَى أَطْرَافِهِ أَيْ فُرُوعِهِ مِنْ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ وَأُصُولِهِ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ إلَّا أَنَّهُ تُرِكَ فِي حَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute