أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمُسْتَثْنَى خِلَافُ حُكْمِ الصَّدْرِ، وَإِلَّا لَمَا أُخْرِجَ مِنْهُ.
(وَضَرُورَةً عَلَى الْأَخِيرِ) أَيْ: عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَخِيرِ، وَهُوَ أَنَّ الْعَشَرَةَ إلَّا ثَلَاثَةً مَوْضُوعَةٌ لِلسَّبْعَةِ فَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ وُجُودُهُ تَعَالَى يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْإِلَهِ لَمَّا كَانَ ثَابِتًا فِي عُقُولِهِمْ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ غَيْرِهِ وُجُودُهُ ضَرُورَةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ لَا إلَهَ غَيْرُ اللَّهِ مَوْجُودٌ فَيَكُونُ كَالتَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ، وَلَيْسَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ عِنْدَنَا، فَلَا دَلَالَةَ لِلْكَلَامِ عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى مَنْطُوقًا، وَمَفْهُومًا بَلْ ضَرُورَةً فَقَطْ.
(وَمَا قِيلَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَخِيرِ هَذَا دَلِيلٌ حَاوَلَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ نَفْيَ الْمَذْهَبِ الْأَخِيرِ (إنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَفْظٌ
ــ
[التلويح]
جُزْؤُهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ غَيْرُ مُضَافٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَلْزَمُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى جُزْءِ الِاسْمِ فِي مِثْلِ اشْتَرَيْت الْجَارِيَةَ إلَّا نِصْفَهَا. الرَّابِعُ: أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ عَشْرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً اسْمًا لِلسَّبْعَةِ لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَعْنَى فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى مَنْعِ الْوَجْهِ الثَّانِي وَنَقْضِهِ وَحَلِّهِ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الْوُجُوهُ الْأَرْبَعَةُ أَمَّا الْمَنْعُ فَهُوَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَفْظٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَعْلَامِ كَذَلِكَ مِثْلَ شَابَ قَرْنَاهَا وَبَرَقَ نَحْرُهُ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا النَّقْضُ فَهُوَ أَنَّ مِثْلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَمٌ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ مَعَ أَنَّ الْإِعْرَابَ فِي وَسَطِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِنَا جَاءَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَرَأَيْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَمَرَرْت بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْحَلُّ فَهُوَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ تَرَكُّبُ الْمَوْضُوعِ الشَّخْصِيِّ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَالْمُسْتَثْنَى، وَأَدَاةَ الِاسْتِثْنَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَاقِي لَمْ يُرِيدُوا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ بِالشَّخْصِ بِمَنْزِلَةِ بَعْلَبَكَّ وَمَعْدِي كَرِبَ بَلْ أَرَادُوا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ بِالنَّوْعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ الْوَاضِعِ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ ذَلِكَ فُهِمَ مِنْهُ الْبَاقِي كَمَا ثَبَتَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا غَيَّرَ صِيغَةَ فَعَلَ بِالْفَتْحِ إلَى فُعِلَ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ يُفْهَمُ مِنْهَا مَعْنَى الْمَبْنِيّ لِلْمَفْعُولِ، وَإِذَا رُكِّبَ زَيْدٌ مَعَ قَائِمٍ وَجُعِلَا مَرْفُوعَيْنِ فُهِمَ مِنْهُ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الصَّرْفِيَّةِ، وَالنَّحْوِيَّةِ فَإِنَّهَا أَوْضَاعٌ كُلِّيَّةٌ.
وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ تَرَكُّبُ الْمَوْضُوعِ النَّوْعِيِّ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ فَإِنَّ جَمِيعَ الْمُرَكَّبَاتِ مَوْضُوعَةٌ بِالنَّوْعِ سَوَاءٌ تَرَكَّبَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا حَيَوَانٌ ذُو نُطْقٍ، وَقَوْلِنَا جِسْمٌ نَامٍ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ وَنُطْقٌ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْإِنْسَانِ بِالنَّوْعِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ الْوَاضِعِ أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ اسْمُ جِنْسٍ وَوُصِفَ بِمَا يَخُصُّ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ فُهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ النَّوْعُ فَالْمَوْضُوعُ النَّوْعِيُّ كَثِيرًا مَا يَتَرَكَّبُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ، وَيَكُونُ الْإِعْرَابُ فِي وَسَطِهِ كَمَا تَرَى، وَيَكُونُ لِأَجْزَائِهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَعَانِيهَا الْإِفْرَادِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَلِمَاتٌ، وَلَا يَصِيرُ الْمَجْمُوعُ كَلِمَةً وَاحِدَةً حَتَّى يَكُونَ كُلٌّ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute