عَفْوًا وَاعْتَبَرَ الْمُرَكَّبَ مَوْجُودًا حُكْمًا. وَقَوْلُهُمْ: لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَهَذَا نَظِيرُ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ فَالرَّأْسُ رُكْنٌ يَنْتَفِي الْإِنْسَانُ بِانْتِفَائِهِ وَالْيَدُ رُكْنٌ لَا يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِ وَلَكِنْ يَنْقُصُ. وَأَمَّا الْعِلَّةُ فَإِمَّا عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا أَيْ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا)
هَذَا تَفْسِيرُ الْعِلَّةِ اسْمًا، (وَهِيَ مُؤَثِّرَةٌ فِيهِ) هَذَا تَفْسِيرُ الْعِلَّةِ مَعْنًى، (وَلَا يَتَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْهَا) هَذَا تَفْسِيرُ الْعِلَّةِ
ــ
[التلويح]
قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْخَارِجُ الْمُؤَثِّرُ إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْعِلَّةِ لَمَّا كَانَ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ أُخَرَ بِحَسَبِ الِاشْتِرَاكِ، أَوْ الْمَجَازِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَاوَلُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ تَقْسِيمَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْعِلَّةِ إلَى أَقْسَامِهِ كَمَا نُقَسِّمُ الْعَيْنَ إلَى الْجَارِيَةِ وَالْبَاصِرَةِ وَغَيْرِهِمَا، أَوْ الْأَسَدَ إلَى السَّبُعِ وَالشُّجَاعِ. وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا فِي حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ وَهِيَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهَا وَتَأْثِيرُهَا فِيهِ وَحُصُولُهُ مَعَهَا فِي الزَّمَانِ، وَسَمَّوْهَا بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ الْعِلَّةَ اسْمًا، وَبِالثَّانِي الْعِلَّةَ مَعْنًى وَبِالثَّالِثِ الْعِلَّةَ حُكْمًا.
وَمَعْنَى إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِنَا قَتَلَهُ بِالرَّمْيِ وَعَتَقَ بِالشِّرَاءِ وَهَلَكَ بِالْجُرْحِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَتَفْسِيرُ الْعِلَّةِ اسْمًا بِمَا تَكُونُ مَوْضُوعَةً فِي الشَّرْعِ لِأَجْلِ الْحُكْمِ وَمَشْرُوعَةً لَهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ لَا فِي مِثْلِ الرَّمْيِ وَالْجُرْحِ.
وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَقْيِيدَ الْإِضَافَةِ بِكَوْنِهَا بِلَا وَاسِطَةٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالْإِضَافَةُ بِلَا وَاسِطَةٍ لَا تُنَافِي ثُبُوتَ الْوَاسِطَةِ فِي الْوَاقِعِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: هَلَكَ بِالْجُرْحِ وَقَتَلَهُ بِالرَّمْيِ مَعَ تَحَقُّقِ الْوَسَائِطِ فَبِاعْتِبَارِ حُصُولِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي الْعِلِّيَّةَ اسْمًا وَمَعْنًى وَحُكْمًا كُلَّهَا، أَوْ بَعْضَهَا تَصِيرُ الْأَقْسَامُ سَبْعَةً؛ لِأَنَّهُ إنْ اجْتَمَعَ الْكُلُّ فَوَاحِدٌ وَإِلَّا فَإِنْ اجْتَمَعَ اثْنَانِ فَثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا إمَّا الِاسْمُ وَالْمَعْنَى وَإِمَّا الِاسْمُ وَالْحُكْمُ وَإِمَّا الْمَعْنَى وَالْحُكْمُ وَإِلَّا فَثَلَاثَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ إمَّا الِاسْمُ، أَوْ الْمَعْنَى، أَوْ الْحُكْمُ وَبِوَجْهٍ آخَرَ إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ بِحَسَبِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ بَسِيطًا فَثَلَاثَةٌ وَإِلَّا فَإِنْ تَرَكَّبَ مِنْ اثْنَيْنِ فَثَلَاثَةٌ أَيْضًا، وَإِنْ تَرَكَّبَ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَوَاحِدٌ، وَقَدْ أَهْمَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّصْرِيحَ بِالْعِلَّةِ مَعْنًى فَقَطْ وَبِالْعِلَّةِ حُكْمًا فَقَطْ وَجَعَلَ الْأَقْسَامَ السَّبْعَةَ هِيَ الْعِلَّةُ اسْمًا وَحُكْمًا وَمَعْنًى وَالْعِلَّةُ اسْمًا فَقَطْ وَالْعِلَّةُ اسْمًا وَمَعْنًى فَقَطْ وَالْعِلَّةُ الَّتِي تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ وَالْوَصْفَ الَّذِي يُشْبِهُ الْعِلَلَ وَالْعِلَّةُ مَعْنًى وَحُكْمًا لَا اسْمًا وَالْعِلَّةُ اسْمًا وَحُكْمًا لَا مَعْنًى، وَلَمَّا كَانَتْ الْعِلَّةُ الَّتِي تُشْبِهُ السَّبَبَ دَاخِلَةً فِي الْأَقْسَامِ الْأُخَرِ لَا مُقَابِلَةً لَهَا أَسْقَطَهَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ وَأَوْرَدَ فِي الْأَقْسَامِ الْعِلَّةَ حُكْمًا فَقَطْ وَنَبَّهَ فِي آخَرِ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَصْفِ الَّذِي يُشْبِهُ الْعِلَلَ هُوَ الْعِلَّةُ مَعْنًى فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْعِلَّةِ لِتَحَقُّقِ التَّأْثِيرِ مَعَ عَدَمِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ، وَلَا تَرَتُّبِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هَاهُنَا لِلْعِلَّةِ حُكْمًا فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي بَابِ تَقْسِيمِ الشُّرُوطِ وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي يُشْبِهُ الْعِلَلَ.
(قَوْلُهُ: فَعِنْدَنَا هِيَ مُقَارَنَةٌ) لَا نِزَاعَ فِي تَقَدُّمِ الْعِلَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute