حُكْمًا.
(كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ لِلْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ لِلْحِلِّ وَالْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ فَعِنْدَنَا هِيَ مُقَارِنَةٌ لِلْمَعْلُولِ كَالْعَقْلِيَّةِ وَفَرَّقَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ فَقَالُوا: الْمَعْلُولُ يُقَارِنُ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ وَيَتَأَخَّرُ عَنْ الشَّرْعِيَّةِ.
(وَإِمَّا اسْمًا فَقَطْ كَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَإِمَّا اسْمًا وَمَعْنًى كَالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ)
، فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْمِلْكَ يُضَافُ إلَيْهِ عِلَّةٌ اسْمًا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْمِلْكِ عِلَّةً مَعْنًى لَكِنَّ الْمِلْكَ يَتَرَاخَى عَنْهُ، فَلَا يَكُونُ عِلَّةً حُكْمًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا
ــ
[التلويح]
عَلَى الْمَعْلُولِ بِمَعْنَى احْتِيَاجِهِ إلَيْهَا وَيُسَمَّى التَّقَدُّمُ بِالْعِلِّيَّةِ وَبِالذَّاتِ، وَلَا فِي مُقَارَنَةِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِمَعْلُولِهَا بِالزَّمَانِ كَيْ لَا يَلْزَمَ التَّخَلُّفُ، وَأَمَّا فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ تَجِبُ الْمُقَارَنَةُ بِالزَّمَانِ إذْ لَوْ جَازَ التَّخَلُّفُ لَمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ الْعِلَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ غَرَضُ الشَّارِعِ مِنْ وَضْعِ الْعِلَلِ لِلْأَحْكَامِ، وَقَدْ يُتَمَسَّكُ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَصْلَ اتِّفَاقُ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ. وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ فَجَوَّزَ فِي الشَّرْعِيَّةِ تَأَخُّرَ الْحُكْمِ عَنْهَا وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْإِمَامَيْنِ أَيْ أَبِي الْيُسْرِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْمُقَارَنَةِ أَنْ يَعْقُبَ الْحُكْمُ الْعِلَّةَ وَيَتَّصِلَ بِهَا، فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ أَنَّهُ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ حُكْمُ الْعِلَّةِ يَثْبُتُ بَعْدَهَا بِلَا فَصْلٍ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ فَرَّقَ وَقَالَ مِنْ صِفَةِ الْعِلَّةِ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْحُكْمِ وَالْحُكْمُ يَعْقُبُهَا، وَلَا يُقَارِنُهَا بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ أَنَّ الْعِلَّةَ لَا تُوجِبُ الْحُكْمَ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَقِيبَهَا فَيَلْزَمُ تَقَدُّمُ الْعِلَّةِ بِزَمَانٍ، وَإِذَا جَازَ بِزَمَانٍ جَازَ بِزَمَانَيْنِ بِخِلَافِ الِاسْتِطَاعَةِ، فَإِنَّهَا عَرَضٌ لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مَعَهَا لَزِمَ وُجُودُ الْمَعْلُولِ بِلَا عِلَّةٍ، أَوْ خُلُوُّ الْعِلَّةِ عَنْ الْمَعْلُولِ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ بِدَلِيلِ قَبُولِهَا الْفَسْخَ بَعْدَ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ كَفَسْخِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ مَثَلًا.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: الْعِلَّةُ لَا تُوجِبُ الْحُكْمَ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا بَعْدِيَّةً زَمَانِيَّةً، فَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ عَيْنُ النِّزَاعِ، وَإِنْ أَرَادَ بَعْدِيَّةً ذَاتِيَّةً، فَهُوَ لَا يُوجِبُ تَأَخُّرَ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ تَأَخُّرًا زَمَانِيًّا عَلَى مَا هُوَ الْمُدَّعَى، وَلَوْ سَلِمَ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّأَخُّرُ بِزَمَانَيْنِ، وَإِنْ جَازَ بِزَمَانٍ، ثُمَّ لَوْ سَلِمَ صِحَّةُ مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِطَاعَةِ فَدَلِيلُهُ مَنْقُوضٌ بِالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ إذَا كَانَتْ أَعْيَانًا لَا أَعْرَاضًا، وَأَمَّا بَقَاءُ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ حَقِيقَةً كَالْعُقُودِ مَثَلًا، فَلَا خَفَاءَ فِي بُطْلَانِهِ، فَإِنَّهَا كَلِمَاتٌ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُ حَرْفٍ مِنْهَا حَالَ قِيَامِ حَرْفٍ آخَرَ وَالنَّسْخُ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى الْحُكْمِ دُونَ الْعَقْدِ، وَلَوْ سَلِمَ فَالْحُكْمُ بِبَقَائِهَا ضَرُورِيٌّ ثَبَتَ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ إلَى الْفَسْخِ، فَلَا يَثْبُتُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute