غُرَّةِ رَمَضَانَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ إذَا زَالَ الْمَانِعُ يَثْبُتُ حُكْمُهُ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ حَتَّى تَكُونَ الزَّوَائِدُ الْحَاصِلَةُ فِي زَمَانِ التَّوَقُّفِ لِلْمُشْتَرِي، فَهُوَ عِلَّةٌ غَيْرُ مُشَابِهَةٍ بِالْأَسْبَابِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَإِنَّمَا تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْحَقِيقِيَّ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ الْعِلَّةُ. فَالْعِلَّةُ الَّتِي يَتَرَاخَى عَنْهَا الْحُكْمُ لَكِنْ إذَا ثَبَتَ لَا يَثْبُتُ مِنْ حِينِ الْعِلَّةِ تَكُونُ مُشَابِهَةً لِلسَّبَبِ لِوُقُوعِ تَخَلُّلِ الزَّمَانِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ وَاَلَّتِي إذَا ثَبَتَ حُكْمُهَا يَثْبُتُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَمْ يَتَخَلَّلْ الزَّمَانُ بَيْنَهَا
ــ
[التلويح]
هُنَاكَ تَخَلُّلُ زَمَانٍ، وَأَمَّا فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَدْ بَنَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ رُكْنُ الْعِلَّةِ وَتَرَاخَى عَنْهُ وَصْفُهُ فَيَتَرَاخَى الْحُكْمُ إلَى وُجُودِ الْوَصْفِ، فَمِنْ حَيْثُ وُجُودُ الْأَصْلِ يَكُونُ الْمَوْجُودُ عِلَّةً يُضَافُ إلَيْهَا الْحُكْمُ إذْ الْوَصْفُ تَابِعٌ، فَلَا يَنْعَدِمُ الْأَصْلُ بِعَدَمِهِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ إيجَابَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنْتَظَرِ كَانَ الْأَصْلُ قَبْلَ الْوَصْفِ طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَى الْحُكْمِ وَيَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَى وَاسِطَةٍ هِيَ الْوَصْفُ فَيَكُونُ لِلْعِلَّةِ شَبَهٌ بِالْأَسْبَابِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا يُقَالُ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرَّمْيِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا تَرَاخَى عَنْهُ أَشْبَهَ الْأَسْبَابَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَبْنَى شَبَهِ الْأَسْبَابِ عَلَى تَرَاخِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا ذَكَرَ فِي جَمِيعِ الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا تَرَاخَى إلَى وَصْفِ كَذَا، وَكَذَا كَانَتْ عِلَّةً تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ اخْتَصَرَ الْكَلَامَ هَاهُنَا وَمُرَادُهُ بِأَنَّ حُكْمَ الرَّمْيِ لَمَّا تَرَاخَى إلَى الْوَسَائِطِ الْمُفْضِيَةِ إلَى الْهَلَاكِ مِنْ الْمُضِيِّ فِي الْهَوَاءِ وَالْوُصُولِ إلَى الْمَجْرُوحِ وَالنُّفُوذِ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ الرَّمْيُ عِلَّةً تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ، فَهُوَ عِلَّةٌ مَحْضَةٌ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ الْوَاسِطَةُ عِلَّةً حَقِيقِيَّةً مُسْتَقِلَّةً، فَهُوَ سَبَبٌ مَحْضٌ وَإِلَّا فَهُوَ عِلَّةٌ تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ الْوَاسِطَةُ أَمْرًا مُسْتَقِلًّا غَيْرَ عِلَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ، أَوْ يَكُونَ عِلَّةً حَقِيقِيَّةً غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ بَلْ حَاصِلَةً بِالْأَوَّلِ كَالْمَعْنَى فِي الْهَوَاءِ الْحَاصِلِ بِالرَّمْيِ، ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْإِجَارَةِ مُتَضَمِّنَةً لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ كَمَا إذَا قَالَ فِي رَجَبٍ آجَرْتُك الدَّارَ مِنْ غُرَّةِ رَمَضَانَ، وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ يَثْبُتُ مِنْ غُرَّةِ رَمَضَانَ حَتَّى لَوْ قَالَ آجَرْتُك الدَّارَ مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْحَالِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إضَافَةٌ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُشْبِهَ الْأَسْبَابَ.
وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ هُوَ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ مَعْنَى الْإِضَافَةِ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَوْ لَا وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ، وَإِنْ صَحَّتْ فِي الْحَالِ بِإِقَامَةِ الْعَيْنِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ إلَّا أَنَّهَا فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ مُضَافَةٌ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ كَأَنَّهَا تَنْعَقِدُ حِينَ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ لِيَقْتَرِنَ الِانْعِقَادُ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْإِجَارَةُ عُقُودٌ مُتَفَرِّقَةٌ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسَبِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute