للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِيقِيًّا لَكِنَّ النَّمَاءَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ النَّمَاءَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالْمَالِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ النَّمَاءُ تَمَامَ الْمُؤَثِّرِ بَلْ تَمَامُ الْمُؤَثِّرِ الْمَالُ النَّامِي، وَلَوْ كَانَ مُتَرَاخِيًا إلَى شَيْءٍ يَجِبُ حُصُولُهُ بِالنِّصَابِ لَكَانَ النِّصَابُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ وَالنَّمَاءُ لَا يَجِبُ حُصُولُهُ بِالْمَالِ لَكِنَّ النَّمَاءَ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالْمَالِ لَهُ شَبَهُ الْعِلِّيَّةِ لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ النَّمَاءُ سَبَبًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، وَهُوَ عِلَّةٌ حَقِيقَةً لَكَانَ النِّصَابُ سَبَبًا حَقِيقِيًّا، فَإِذَا كَانَ لِلنَّمَاءِ شَبَهُ الْعِلِّيَّةِ كَانَ لِلنِّصَابِ شَبَهُ السَّبَبِيَّةِ.

(وَكَذَا مَرَضُ الْمَوْتِ وَالْجُرْحُ فَإِنَّهُ يَتَرَاخَى حُكْمُهُ إلَى السِّرَايَةِ، وَكَذَا الرَّمْيُ وَالتَّزْكِيَةُ عِنْدَ

ــ

[التلويح]

تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ لِلنَّمَاءِ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ لَكَانَ لِلنِّصَابِ حَقِيقَةُ السَّبَبِيَّةِ كَمَا إذَا دَلَّ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَسَرَقَهُ، فَإِنَّ الدَّلَالَةَ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ لَا يُشْبِهُ الْعِلَّةَ أَصْلًا، فَإِذَا كَانَ لِلنَّمَاءِ شَبَهُ الْعِلِّيَّةِ كَانَ لِلنِّصَابِ شَبَهُ السَّبَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ تَوَسُّطَ حَقِيقَةِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ يُوجِبُ حَقِيقَةَ السَّبَبِيَّةِ فَتَوَسُّطُ شَبَهِ الْعِلَّةِ يُوجِبُ شَبَهَ السَّبَبِيَّةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ النَّمَاءُ شَيْئًا مُسْتَقِلًّا إلَخْ، وَإِنَّمَا قَالَ شَيْئًا مُسْتَقِلًّا أَيْ غَيْرَ حَاصِلٍ بِالنِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ عِلَّةً حَقِيقِيَّةً لَا يَلْزَمُ كَوْنُ النِّصَابِ سَبَبًا حَقِيقِيًّا كَمَا فِي عِلَّةِ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْعِلِّيَّةِ فِي الْمِلْكِ لَا تُوجِبُ كَوْنَ الشِّرَاءِ سَبَبًا حَقِيقِيًّا وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَوْ كَانَ مُتَرَاخِيًا إلَى مَا هُوَ عِلَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَكَانَ النِّصَابُ سَبَبًا حَقِيقِيًّا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أُرِيدَ بِالْعِلَّةِ حَقِيقَةً مَا تَكُونُ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ: إنَّهُ لَمَّا انْتَفَى عَنْ النَّمَاءِ حَقِيقَةُ الْعِلِّيَّةِ انْتَفَى عَنْ النِّصَابِ كَوْنُهُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ كَمَا انْتَفَى عَنْهُ كَوْنُهُ سَبَبًا حَقِيقِيًّا، فَلَا حَاجَةَ إلَى نَفْيِهِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ مُتَرَاخِيًا إلَى شَيْءٍ يَجِبُ حُصُولُهُ بِالْمَالِ إلَخْ وَهَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ النِّصَابِ عِلَّةَ الْعِلَّةِ لَا يُنَافِي مُشَابَهَتَهُ بِالْأَسْبَابِ بَلْ يُوجِبُهَا عَلَى مَا سَيَجِيءُ، فَلَا مَعْنَى لِنَفْيِ ذَلِكَ وَالِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِالشَّرْطِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ كَانَ مُتَرَاخِيًا إلَى شَيْءٍ يَجِبُ حُصُولُهُ بِالنِّصَابِ لَكَانَ النِّصَابُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ وَالنَّمَاءُ لَا يَجِبُ حُصُولُهُ بِالْمَالِ لَا يُقَالُ: إنَّمَا نَفَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ عِلَّةَ الْعِلَّةِ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَتَرَاخَى عَنْهُ الْحُكْمُ حَتَّى يَكُونَ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ عَدَمُ التَّرَاخِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَسَائِطِ امْتِدَادٌ كَمَا فِي الرَّمْيِ وَالْهَلَاكِ.

وَعِبَارَةُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ لَمَّا تَرَاخَى حُكْمُ النِّصَابِ أَشْبَهَ الْأَسْبَابَ أَلَا يُرَى أَنَّهُ إنَّمَا تَرَاخَى إلَى مَا لَيْسَ بِحَادِثٍ بِهِ وَإِلَى مَا هُوَ شَبِيهٌ بِالْعِلَلِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِشَبَهِ السَّبَبِيَّةِ فِي النِّصَابِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَرَاخِي الْحُكْمِ عَنْهُ إلَى مَا لَيْسَ حَاصِلًا بِهِ، وَهَذَا يُوجِبُ تَأَكُّدَ الِانْفِصَالِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ وَتَحَقُّقَ الشَّبَهِ بِالسَّبَبِ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّ لِلنَّمَاءِ شَبَهَ الْعِلِّيَّةِ فَيُوجِبُ فِي النِّصَابِ شَبَهَ السَّبَبِيَّةِ عَلَى مَا مَرَّ.

وَغَيَّرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْكَلَامَ إلَى مَا تَرَى ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ التَّرَاخِيَ إلَى مَا لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>