أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى إذَا رَجَعَ) أَيْ الْمُزَكِّي (ضَمِنَ، وَكَذَا كُلُّ مَا هُوَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ) فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا لَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْأَسْبَابَ وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ إنَّمَا تُشْبِهُ السَّبَبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ وَاسِطَةٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ فَخْرَ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْرَدَ لِلْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا عِدَّةَ أَمْثِلَةٍ مِنْهَا الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ وَالْبَيْعُ بِالْخِيَارِ فَهُمَا عِلَّتَانِ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا وَهُمَا لَا يُشَابِهَانِ الْأَسْبَابَ، وَمِنْهَا الْإِجَارَةُ وَكُلُّ إيجَابٍ مُضَافٍ وَالنِّصَابُ وَمَرَضُ الْمَوْتِ وَالْجُرْحِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ أَنَّهَا عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا لَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ، وَمِنْهَا عِلَّةُ الْعِلَّةِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكَ
ــ
[التلويح]
بِحَادِثٍ بِهِ لَا يُوجِبُ شَبَهَ الْأَسْبَابِ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ التَّرَاخِيَ إلَى وَصْفٍ لَا يَحْدُثُ بِهِ. وَفِي الْبَيْعِ التَّرَاخِي إنَّمَا هُوَ إلَى مُجَرَّدِ زَوَالِ الْمَانِعِ لَا إلَى الْوَصْفِ.
فَإِنْ قُلْت: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الشَّرْطِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لَكِنَّ النَّمَاءَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ وَالنَّمَاءُ لَا يَجِبُ حُصُولُهُ بِالْمَالِ نَفْيٌ لِلْمَلْزُومِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ نَفْيَ اللَّازِمِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ أَعَمَّ.
قُلْت: بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فِي الشَّرْطِيَّتَيْنِ تَلَازُمٌ مُسَاوٍ عَلَى مَا لَا يَخْفَى فَنَفْيُ كُلٍّ مِنْهُمَا يُوجِبُ نَفْيَ الْآخَرِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى يُوجِبَ صِحَّةَ الْأَدَاءِ) يَعْنِي لِكَوْنِ النِّصَابِ هُوَ الْعِلَّةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِلنَّمَاءِ دَخْلٌ فِي الْعِلِّيَّةِ صَحَّ الْأَدَاءُ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَلِكَوْنِهِ عِلَّةً شَبِيهَةً بِالْأَسْبَابِ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَوْنُ الْمُؤَدَّى زَكَاةً إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ لِعَدَمِ وَصْفِ الْعِلَّةِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ، فَقَدْ صَارَ الْمُؤَدَّى زَكَاةً لِإِسْنَادِ الْوَصْفِ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ، وَهَذَا مَا يُقَالُ: إنَّ الْأَدَاءَ بَعْدَ الْأَصْلِ قَبْلَ تَمَامِ الْوَصْفِ يَقَعُ مَوْقُوفًا وَبَعْدَ تَمَامِ الْوَصْفِ يَسْتَنِدُ الْوُجُوبُ إلَى مَا قَبْلَ الْأَدَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا مَرَضُ الْمَوْتِ) يَعْنِي أَنَّ الْأُمُورَ الْمَذْكُورَةَ عِلَّةٌ اسْمًا وَمَعْنًى لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ وَالتَّأْثِيرِ لَا حُكْمًا لِتَحَقُّقِ التَّرَاخِي فَمَرَضُ الْمَوْتِ عِلَّةٌ لِلْحَجْرِ عَنْ التَّبَرُّعِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمُحَابَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَتَرَاخَى الْحُكْمُ إلَى وَصْفِ اتِّصَالِهِ بِالْمَوْتِ وَالْجُرْحُ عِلَّةٌ لِلْهَلَاكِ وَيَتَرَاخَى الْحُكْمُ إلَى وَصْفِ السِّرَايَةِ وَالرَّمْيُ عِلَّةٌ لِلْمَوْتِ وَيَتَرَاخَى إلَى نُفُوذِ السَّهْمِ فِي الْمَرْمِيِّ وَتَزْكِيَةُ شُهُودِ الزِّنَا عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ بِالرَّجْمِ لَكِنْ بِتَوَسُّطِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى إذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ وَقَالُوا: تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ ضَمِنُوا الدِّيَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَمْثِلَةُ مِنْ قَبِيلِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى عَمَّمَ الْحُكْمَ فَقَالَ، وَكَذَا كُلُّ مَا هُوَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ، فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ لِلْعِتْقِ فَالْعِلَّةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ تُشْبِهُ الْأَسْبَابَ مِنْ جِهَةِ تَرَاخِي الْحُكْمِ، وَمِنْ جِهَةِ تَخَلُّلِ الْوَاسِطَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ بَلْ حَاصِلَةٌ بِالْأَوَّلِ سِوَى شِرَاءِ الْقَرِيبِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّرَاخِي فَشَبَهُهُ بِالْأَسْبَابِ مِنْ جِهَةِ تَخَلُّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute