الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ الْعِلَّةَ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا قَدْ تُوجَدُ مَعَ مُشَابَهَتِهَا السَّبَبَ كَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا وَقَدْ تُوجَدُ بِدُونِهَا كَالْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَقَدْ تُوجَدُ مُشَابَهَةُ السَّبَبِ بِدُونِهَا أَيْ بِدُونِ الْعِلَّةِ اسْمًا وَمَعْنًى لَا حُكْمًا كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ عِلَّةً اسْمًا وَمَعْنًى الْقَرِيبَ الْمَحْرَمَ وَأَظُنُّ أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ يَكُونُ حُكْمًا لَكِنَّهُ يُشَابِهُ السَّبَبَ.
(وَأَمَّا مَا لَهُ شَبَهُ الْعِلِّيَّةِ كَجُزْءِ الْعِلَّةِ فَيَثْبُتُ بِهِ مَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ كَرِبَا النَّسِيئَةِ يَثْبُتُ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ) ، وَهُوَ إمَّا الْقَدْرُ، أَوْ الْجِنْسُ.
(وَإِمَّا مَعْنًى وَحُكْمًا كَالْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْعِلَّةِ كَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ لِلْعِتْقِ، فَإِذَا تَأَخَّرَ الْمِلْكُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ) أَيْ
ــ
[التلويح]
لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَثَرًا فِي إيجَابِ الصِّلَاتِ وَلِهَذَا يَجِبُ صِلَةُ الْقَرَابَاتِ وَنَفَقَةُ الْعَبِيدِ إلَّا أَنَّ لِلْأَخِيرِ تَرْجِيحًا بِوُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ فَيُجْعَلُ وَصْفًا لَهُ شُبْهَةُ الْعِلِّيَّةِ فِي كَوْنِ الْمِلْكِ عِلَّةً مَعْنًى وَحُكْمًا وَيَصِيرُ الْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فَيُجْعَلُ وَصْفًا لَهُ شُبْهَةُ الْعِلِّيَّةِ. وَفِي كَوْنِ الْمِلْكِ عِلَّةً مَعْنًى وَحُكْمًا لَا اسْمًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الْمِلْكِ وَثُبُوتَهُ بِهِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ شَائِعٌ فِي عِبَارَةِ الْقَوْمِ وَلَفْظُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَرِيحٌ فِيهِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ عِلَّةً اسْمًا.
وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إلَى أَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَيَصِيرُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ كَالْمَنِّ الْأَخِيرِ فِي أَثْقَالِ السَّفِينَةِ وَالْقَدَحِ الْأَخِيرِ فِي السُّكْرِ وَذَكَرَ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا يَصِيرُ مُوجَبًا بِالْأَخِيرِ، ثُمَّ الْحُكْمُ يَجِبُ بِالْكُلِّ فَيَصِيرُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ كَعِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ عِلَّةَ الْعِلَّةِ يَكُونُ عِلَّةً اسْمًا لَا مَحَالَةَ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ يَجِبُ فِيمَا هُوَ عِلَّةٌ اسْمًا أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِلْحُكْمِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُ وَالْمِلْكُ لَمْ يُوضَعْ فِي الشَّرْعِ لِلْعِتْقِ، وَإِنَّمَا الْمَوْضُوعُ لَهُ مِلْكُ الْقَرَابَةِ وَشِرَاءُ الْقَرِيبِ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى تُصْبِحَ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ) . فَإِنْ قُلْت: الْجُزْءُ الْأَخِيرُ هُوَ الْمِلْكُ دُونَ الشِّرَاءِ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا التَّفْرِيعُ.
قُلْت: عِلَّةُ الشِّرَاءِ عِلَّةٌ لِلْمِلْكِ وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ غَيْرُ مُتَرَاخٍ هَاهُنَا فَالنِّيَّةُ عِنْدَ الشِّرَاءِ نِيَّةٌ عِنْدَ إيجَادِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ لِلْإِعْتَاقِ إذْ لَا إضَافَةَ إلَى الْقَرَابَةِ الَّتِي هِيَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: وَيَضْمَنُ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى رَجُلَانِ قَرِيبًا مَحْرَمًا لِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ اشْتَرَى الْأَجْنَبِيُّ شِقْصًا، ثُمَّ الْقَرِيبُ بَعْدَهُ ضَمِنَ الْقَرِيبُ نَصِيبَ الْأَجْنَبِيِّ بِالِاتِّفَاقِ مُوسِرًا كَانَ الْقَرِيبُ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ نَصِيبَهُ بِمَا هُوَ عِلَّةٌ، وَهُوَ الشِّرَاءُ، وَإِنْ اشْتَرَيَاهُ مَعًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا يَضْمَنُ لِمَا مَرَّ سَوَاءٌ عَلِمَ الْأَجْنَبِيُّ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ رَضِيَ بِفَسَادِ نَصِيبِهِ حَيْثُ جَعَلَ الْقَرِيبَ شَرِيكًا لَهُ فِي الشِّرَاءِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْقَرَابَةَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْجَهْلِ؛ لِأَنَّهُ تَقْصِيرٌ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى الْأَجْنَبِيُّ نَصِيبَهُ، أَوَّلًا، فَإِنَّهُ لَا رِضَا مِنْهُ بِالْفَسَادِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute