(وَبِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ بَقِيَ قِسْمَانِ عِلَّةٌ مَعْنًى فَقَطْ وَعِلَّةٌ حُكْمًا فَقَطْ، وَلَمَّا جَعَلُوا الْجُزْءَ الْأَخِيرَ مِنْ الْعِلَّةِ عِلَّةً مَعْنًى وَحُكْمًا لَا اسْمًا يَكُونُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ عِلَّةً مَعْنًى لَا اسْمًا، وَلَا حُكْمًا) فَالْقِسْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ مَا لَهُ شُبْهَةُ الْعِلِّيَّةِ كَجُزْءِ الْعِلَّةِ يَكُونُ هَذَا الْقِسْمُ بِعَيْنِهِ.
(وَالْعِلَّةُ اسْمًا وَحُكْمًا إنْ كَانَتْ مُرَكَّبَةً فَالْجُزْءُ الْأَخِيرُ عِلَّةٌ حُكْمًا فَقَطْ) كَالدَّاعِي مَثَلًا وَإِنْ كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ جُزْأَيْنِ فَالْجُزْءُ الْأَخِيرُ عِلَّةٌ حُكْمًا لَا اسْمًا وَمَعْنًى أَيْضًا لَمَّا أَرَادُوا بِالْعِلَّةِ حُكْمًا مَا يُقَارِنُهُ الْحُكْمُ فَالشَّرْطُ كَدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا عِلَّةٌ حُكْمًا.
(وَأَمَّا السَّبَبُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ مُضَافَةً إلَيْهِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مُضَافَةً إلَى السَّبَبِ كَوَطْءِ الدَّابَّةِ شَيْئًا فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِهَلَاكِهِ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُضَافَةٌ إلَى سَوْقِهَا، وَهُوَ السَّبَبُ (فَالسَّبَبُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِسَوْقِ الدَّابَّةِ وَقَوْدِهَا وَبِالشَّهَادَةِ بِالْقِصَاصِ إذَا رَجَعَ
ــ
[التلويح]
الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي الْحُرْمَةِ حَالَتَيْ الِاعْتِكَافِ وَالْإِحْرَامِ إذَا كَانَتْ مَعَ الزَّوْجَةِ، أَوْ الْأَمَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمَّا جَعَلُوا الْجُزْءَ الْأَخِيرَ) يَعْنِي أَنَّ الْقَوْمَ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالْعِلَّةِ مَعْنًى فَقَطْ وَالْعِلَّةِ حُكْمًا فَقَطْ إلَّا أَنَّ التَّقْسِيمَ الْعَقْلِيَّ يَقْتَضِيهِمَا وَالْأَحْكَامُ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ الْعِلَّةِ لَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَعَ تَأْثِيرِهِ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ فَيَكُونُ عِلَّةً مَعْنًى لِوُجُودِ التَّأْثِيرِ لَا اسْمًا، وَلَا حُكْمًا لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ وَالْمُقَارَنَةِ فَمَا لَهُ شُبْهَةُ الْعِلِّيَّةِ، وَهُوَ الْجُزْءُ الْغَيْرُ الْأَخِيرِ مِنْ الْعِلَّةِ يَكُونُ هَذَا الْقِسْمُ بِعَيْنِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْعِلَّةِ حُكْمًا فَقَطْ إلَّا مَا يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ وَيَتَّصِلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ وَلَا تَأْثِيرٍ فَالْجُزْءُ الْأَخِيرِ مِنْ السَّبَبِ الدَّاعِي إلَى الْحُكْمِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَتَّصِلُ بِهِ الْحُكْمُ يَكُونُ عِلَّةً حُكْمًا لِوُجُودِ الْمُقَارَنَةِ لَا اسْمًا لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ، وَلَا مَعْنًى لِعَدَمِ التَّأْثِيرِ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلسَّبَبِ الدَّاعِي فَكَيْفَ لِجُزْئِهِ، وَكَذَا الشَّرْطُ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَدُخُولِ الدَّارِ فِيمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَتَّصِلُ بِهِ الْحُكْمُ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ، وَلَا تَأْثِيرٍ فَيَكُونُ عِلَّةً حُكْمًا فَقَطْ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا السَّبَبُ) هُوَ لُغَةً مَا يَتَّصِلُ بِهِ إلَى الشَّيْءِ.
وَاصْطِلَاحًا مَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ.
وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يُذْكَرَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَقْسَامُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبَبِ حَقِيقَةً، أَوْ مَجَازًا وَيَعْتَبِرُ تَعَدُّدُ الْأَقْسَامِ اخْتِلَافَ الْجِهَاتِ وَالِاعْتِبَارَاتِ، وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْأَقْسَامُ بِحَسَبِ الذَّوَاتِ وَلِذَا ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ أَقْسَامَ السَّبَبِ أَرْبَعَةٌ سَبَبٌ مَحْضٌ كَدَلَالَةِ السَّارِقِ وَسَبَبٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ كَسَوْقِ الدَّابَّةِ لِمَا يَتْلَفُ بِهَا وَسَبَبٌ مَجَازِيٌّ كَالْيَمِينِ وَسَبَبٌ لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ كَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ. وَلَمَّا رَأَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الرَّابِعَ هُوَ بِعَيْنِهِ السَّبَبُ الْمَجَازِيُّ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَنَّ عَدَّ الْمَجَازِيِّ مِنْ الْأَقْسَامِ لَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ قَسَّمَ السَّبَبَ إلَى مَا فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ وَإِلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَيُسَمَّى الثَّانِي سَبَبًا حَقِيقِيًّا، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ السَّبَبِ مَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute