للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا الْقِصَاصُ عِنْدَنَا) أَيْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَنَا عَلَى الشَّاهِدِ إذَا شَهِدَ أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا فَاقْتُصَّ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ (لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ وَشَهَادَتُهُ إنَّمَا صَارَتْ قَتْلًا بِحُكْمِ الْقَاضِي وَاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُضَافَةً إلَيْهِ) أَيْ الْعِلَّةُ مُضَافَةً إلَى السَّبَبِ. (نَحْوُ أَنْ تَكُونَ) أَيْ الْعِلَّةُ (فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا فَسَبَبٌ حَقِيقِيٌّ) لَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ (فَلَا يَضْمَنُ، وَلَا يَشْتَرِكُ فِي الْغَنِيمَةِ الدَّالُّ عَلَى مَالِ السَّرِقَةِ وَعَلَى حِصْنٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الدَّالُّ عَلَى مَالٍ يَسْرِقُهُ السَّارِقُ، وَلَا يَشْتَرِكُ فِي الْغَنِيمَةِ الدَّالُّ عَلَى حِصْنٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ تَوَسَّطَ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْحُكْمِ عِلَّةٌ هِيَ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ وَهُوَ السَّارِقُ فِي فَصْلِ السَّرِقَةِ وَالْغَازِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْحِصْنِ فَتَقْطَعُ هَذِهِ الْعِلَّةُ نِسْبَةَ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ (وَلَا أَجْنَبِيٌّ) أَيْ، وَلَا يَضْمَنُ قِيمَةَ

ــ

[التلويح]

سَبَبٌ مَجَازِيٌّ أَيْ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبَبِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلسَّبَبِ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةُ الْعِلَلِ.

(قَوْلُهُ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ) اعْتِرَاضٌ بَيْنَ أَمَّا وَجَوَابِهِ، وَتَمْهِيدٌ لِتَقْسِيمِ السَّبَبِ إلَى مَا يُضَافُ إلَيْهِ الْعِلَّةُ وَإِلَى مَا لَا يُضَافُ يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ مُفْضٍ إلَى الْحُكْمِ وَطَرِيقٌ إلَيْهِ لَا مُؤَثِّرٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِيهِ مَوْضُوعَةٍ لَهُ فَالسَّبَبُ إمَّا أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ الْعِلَّةُ، أَوْ لَا.

فَالْأَوَّلُ: السَّبَبُ الَّذِي فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ كَسَوْقِ الدَّابَّةِ، فَإِنْ لَمْ يُوضَعْ لِلتَّلَفِ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ طَرِيقٌ لِلْوُصُولِ إلَيْهِ وَالْعِلَّةُ هُوَ وَطْءُ الدَّابَّةِ بِقَوَائِمِهَا ذَلِكَ الشَّخْصَ، وَهُوَ مُضَافٌ إلَى السَّوْقِ وَحَادِثٌ بِهِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى بَدَلِ الْمَحَلِّ لَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى جَزَاءِ الْمُبَاشَرَةِ فَيَجِبُ عَلَى السَّائِقِ الدِّيَةُ لَا الْحِرْمَانُ مِنْ الْمِيرَاثِ، وَلَا الْكَفَّارَةُ، وَلَا الْقِصَاصُ وَكَالشَّهَادَةِ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ، وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ، وَإِنَّمَا هِيَ طَرِيقٌ إلَيْهِ وَالْعِلَّةُ مَا تَوَسَّطَ مِنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الَّذِي هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْقَتْلِ إلَّا أَنَّهُ سَبَبٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْقَاتِلِ مُضَافَةٌ إلَى الشَّهَادَةِ حَادِثَةٌ بِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ فَيَصْلُحُ لِإِيجَابِ ضَمَانِ الْمَحَلِّ دُونَ جَزَاءِ الْمُبَاشَرَةِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ إذَا رَجَعَ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ، وَلَا مُبَاشَرَةَ مِنْ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ إنَّمَا صَارَتْ قَتْلًا أَيْ مُؤَدِّيَةً بِوَاسِطَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَاخْتِيَارِ الْوَلِيِّ الْقِصَاصَ عَلَى الْعَفْوِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الْقِصَاصُ إذَا قَالُوا: عِنْدَ الرُّجُوعِ تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ وَعُلِمَ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ السَّبَبَ الْقَوِيَّ الْمُؤَكَّدَ بِالْقَصْدِ الْكَامِلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشَرَةِ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ تَحْقِيقًا لِلزَّجْرِ.

وَجَوَابُهُ أَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ، وَإِنْ قَوِيَ وَتَأَكَّدَ. وَالثَّانِي السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ بِأَنْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ هِيَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى السَّبَبِ كَفِعْلِ السَّارِقِ بَيْنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَالِ وَبَيْنَ سَرِقَتِهِ، وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>