للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَحْفُوظًا لَيْسَ لِلْبُعْدِ عَنْ النَّاسِ بَلْ لِكَوْنِهِ فِي الْحَرَمِ.

(وَمَنْ دَفَعَ إلَى صَبِيٍّ سِكِّينًا لِيَمْسِكَهُ لِلدَّافِعِ فَوَجَأَ بِهِ نَفْسَهُ لَا يَضْمَنُ الدَّافِعُ) ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَ السَّبَبِ، وَهُوَ دَفْعُ السِّكِّينِ إلَى الصَّبِيِّ وَبَيْنَ الْحُكْمِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَهُوَ قَصْدُ الصَّبِيِّ قَتْلَ نَفْسِهِ. (وَإِنْ سَقَطَ عَنْ يَدِهِ السِّكِّينُ فَجَرَحَهُ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّلْ هُنَاكَ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَى السَّبَبِ، وَهُوَ الدَّفْعُ.

(وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّبَبِ (مَا هُوَ سَبَبٌ مَجَازًا كَالتَّطْلِيقِ وَالْإِعْتَاقِ وَالنَّذْرِ الْمُعَلَّقَةُ) فَالْمُعَلَّقَةُ صِفَةٌ لِلتَّطْلِيقِ وَالْإِعْتَاقِ وَالنَّذْرِ نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَإِنْ دَخَلْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا (لِلْجَزَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: مَا هُوَ سَبَبٌ فَالْجَزَاءُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَلُزُومُ الْمَنْذُورِ (لِأَنَّهَا رُبَّمَا لَا تُوَصِّلُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَعْدُومٌ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْمُعَلَّقَةَ رُبَّمَا لَا تُوَصِّلُ إلَى الْجَزَاءِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهَا سَبَبًا مَجَازًا.

(وَكَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ لِلْكَفَّارَةِ) أَيْ سَبَبٍ لِلْكَفَّارَةِ مَجَازًا (لِأَنَّهَا) أَيْ الْيَمِينَ (لِلْبِرِّ، فَلَا تُوَصِّلُ إلَى الْكَفَّارَةِ) إذْ الْكَفَّارَةُ تَجِبُ عِنْدَ الْحِنْثِ، فَلَا يَكُونُ الْيَمِينُ

ــ

[التلويح]

مِنْ الْوَجْءِ، وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ، أَوْ السِّكِّينِ.

(قَوْلُهُ: كَالتَّطْلِيقِ) أَيْ كَالصِّيَغِ الدَّالَّةِ عَلَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ، أَوْ الْعَتَاقِ، أَوْ النَّذْرِ شَيْءٌ، فَإِنَّهَا قَبْلَ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَسْبَابٌ مَجَازِيَّةٌ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ الْجَزَاءِ، وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، أَوْ الْعَتَاقِ، أَوْ لُزُومُ الْمَنْذُورِ بِهِ لِإِفْضَائِهَا إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ لَا أَسْبَابٌ حَقِيقِيَّةٌ إذْ رُبَّمَا لَا تُفْضِي إلَيْهِ بِأَنْ لَا يَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: لِلْجَزَاءِ حَالٌ مِنْ التَّطْلِيقِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ كَالتَّطْلِيقِ وَنَحْوِهِ حَالَ كَوْنِهَا أَسْبَابًا لِلْجَزَاءِ، وَلَوْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ مَا هُوَ سَبَبٌ عَلَى مَا زَعَمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَكَانَ الْمَعْنَى، وَمِنْهُ مَا هُوَ سَبَبٌ مَجَازًا لِلْجَزَاءِ كَإِطْلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَنَحْوِهِ وَالْيَمِينِ لِلْكَفَّارَةِ، وَفَسَادُهُ وَاضِحٌ، ثُمَّ تَسْمِيَةُ هَذِهِ الصِّيَغِ سَبَبًا مَجَازِيًّا إنَّمَا هِيَ قَبْلَ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَتَصِيرُ تِلْكَ الْإِيقَاعَاتُ عِلَلًا حَقِيقِيَّةً لِتَأْثِيرِهَا فِي وُقُوعِ الْأَجْزِيَةِ مَعَ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَالِاتِّصَالِ بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ لِلْمِلْكِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرْطَ كَانَ مَانِعًا لِلْعِلَّةِ عَنْ الِانْعِقَادِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ انْعَقَدَتْ عِلَّةٌ حَقِيقِيَّةٌ بِمَنْزِلَةِ الْإِيقَاعَاتِ الْمُنَجَّزَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا، فَإِنَّ عِلَّةَ الْكَفَّارَةِ لَا تَصِيرُ هِيَ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْبِرِّ وَالْبِرُّ لَا يُفْضِي إلَى الْكَفَّارَةِ، وَإِنَّمَا يُفْضِي إلَيْهَا الْحِنْثُ الَّذِي هُوَ ضِدُّهُ وَالْبِرُّ مَانِعٌ عَنْهُ فَكَيْفَ يَصْلُحُ عِلَّةً لِثُبُوتِهِ وَإِنَّمَا عِلَّةُ الْكَفَّارَةِ هِيَ الْحِنْثُ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَثِّرُ فِيهَا، وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي بَحْثِ الشَّرْطِ.

فَإِنْ قُلْت: قَدْ اُعْتُبِرَ فِي حَقِيقَةِ السَّبَبِ الْإِفْضَاءُ وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ فَكَمَا أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ جُعِلَ مَجَازًا لِعَدَمِ الْإِفْضَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ السَّبَبَ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ أَيْضًا مَجَازًا لِوُجُودِ التَّأْثِيرِ.

قُلْت: نَعَمْ إلَّا أَنَّ عَدَمَ التَّأْثِيرِ لَمَّا كَانَ قَيْدًا عَدَمِيًّا وَكَانَ حَقِيقَةُ السَّبَبِ فِي اللُّغَةِ مَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَى الشَّيْءِ وَمُوَصِّلًا إلَيْهِ خَصُّوا هَذَا الْقِسْمَ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>