للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِمَّا شَرْطٌ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ شَرْطٌ لَا يُعَارِضُهُ عِلَّةٌ تَصْلُحُ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَيْهَا فَيُضَافُ إلَيْهِ كَمَا إذَا رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ ضَمِنُوا وَإِنْ رَجَعُوا مَعَ شُهُودِ الْيَمِينِ يَضْمَنُ الثَّانِي فَقَطْ كَمَا إذَا اجْتَمَعَ السَّبَبُ وَالْعِلَّةُ (كَشُهُودِ التَّخْيِيرِ وَالِاخْتِيَارِ) كَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى

ــ

[التلويح]

بِمَنْزِلَةِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَالِ النَّامِي وَبِاعْتِبَارِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ الْخَرَاجُ عُقُوبَةٌ لِمَا فِي الِاشْتِغَالِ بِالزِّرَاعَةِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْمَبْغُوضِ الْمَذْمُومِ بِلِسَانِ الشَّرْعِ وَالدُّنُوِّ مِنْ رَأْسِ الْخَطِيئَاتِ، أَوْ هَذَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِلذِّلَّةِ وَالصَّغَارِ وَضَرْبِ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجِزْيَةِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ وَالنَّمَاءَ وَصْفٌ وَتَبَعٌ فَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ مِنْهُمَا مُؤْنَةً وَبِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ الْعُشْرُ عِبَادَةٌ وَالْخَرَاجُ عُقُوبَةٌ فَيَتَنَافَيَانِ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ، فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي سَبَبٍ وَاحِدٍ هُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ الْعُشْرُ مِنْ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْخَرَاجُ مِنْ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَ الْخَرَاجِ عِنْدَهُ الْأَرْضُ وَسَبَبَ الْعُشْرِ الْخَارِجُ مِنْ الْأَرْضِ.

(قَوْلُهُ: وَلِلطَّهَارَةِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ) لِتَرَتُّبِهَا عَلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: ٦] أَيْ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَمِثْلُ هَذَا مُشْعِرٌ بِالسَّبَبِيَّةِ، وَأَمَّا إضَافَتُهَا إلَى الصَّلَاةِ وَثُبُوتُهَا بِثُبُوتِهَا وَسُقُوطُهَا بِسُقُوطِهَا، فَإِنَّمَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى سَبَبِيَّةِ الصَّلَاةِ دُونَ إرَادَتِهَا وَالْحَدَثُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الطَّهَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْ الرَّبِّ بِصِفَةِ الطَّهَارَةِ، فَلَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا وَذَلِكَ بِالْحَدَثِ فَيَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ عَلَى الْحَدَثِ فَيَكُونُ شَرْطًا وَلِهَذَا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَاسْتَدَامَ إلَى الْوَقْتِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّرْطِ هُوَ الْوُجُودُ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ وَلَيْسَ الْحَدَثُ بِسَبَبٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الشَّيْءِ مَا يُفْضِي إلَيْهِ وَيُلَائِمُهُ وَالْحَدَثُ يُزِيلُ الطَّهَارَةَ وَيُنَافِيهَا.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يُجْعَلُ سَبَبًا لِنَفْسِ الطَّهَارَةِ بَلْ لِوُجُوبِهَا، وَهُوَ لَا يُنَافِيهِ بَلْ يُفْضِي إلَيْهِ، لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الْحَدَثُ شَرْطًا لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَهِيَ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ لَكَانَ الْحَدَثُ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّرْطِ شَرْطٌ وَأَيْضًا الصَّلَاةُ مَشْرُوطَةٌ بِالطَّهَارَةِ فَيَتَأَخَّرُ عَنْهَا، فَلَوْ كَانَتْ سَبَبًا لِلطَّهَارَةِ لَتَقَدَّمَتْ عَلَيْهَا، وَهَذَا مُحَالٌ؛ لِأَنَّا نُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ شَرْطَ الصَّلَاةِ وُجُودُ الطَّهَارَةِ لَا وُجُوبُهَا وَالْمَشْرُوطُ بِالْحَدَثِ وُجُوبُهَا لَا وُجُودُهَا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمَشْرُوطَ هُوَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَمَشْرُوعِيَّتهَا وَالشَّرْطُ وُجُودُ الطَّهَارَةِ وَالسَّبَبُ هُوَ إرَادَةُ الصَّلَاةِ لَا نَفْسُهَا وَالْمُسَبَّبُ هُوَ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ لَا وُجُودُهَا فَالْمُتَقَدِّمُ غَيْرُ الْمُتَأَخِّرِ.

(قَوْلُهُ: وَلِلْحُدُودِ وَالْعُقُوبَاتِ) يُرِيدُ أَنَّ السَّبَبَ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْحُكْمِ فَأَسْبَابُ الْحُدُودِ وَالْعُقُوبَاتِ الْمَحْضَةِ تَكُونُ مَحْظُورَاتٍ مَحْضَةً كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْلِ وَأَسْبَابُ الْكَفَّارَاتِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ تَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>